الاثنين، 26 أغسطس 2024

كشف ألغاز الأشياء المقسم بها ببدايات سورتي النازعات والعاديات

 كشف طلاسم وألغاز الأشياء المقسم بها ببدايات سورتي النازعات والعاديات

هشام كمال عبد الحميد

 

والآن سنستكمل معكم باقي السور المشابهة لسورة الصافات والمرسلات والذاريات فنوضح لكم بعض أسرار الأشياء المقسم بها ببدايات سورتي النازعات والعاديات.

قال تعالى:

وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ (14) هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى (26) أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى (36) فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) (النازعات)

ولتحديد الخمسة المقسم بهم أو الموصوفون في بداية السورة لا بد أن نعرف موضوع سورة النازعات، فالموضوع الأساسي للسورة هو يوم الساعة أو الطامة الكبري، وتكذيب المكذبين للبعث بعد أن يكونوا عظاماً نخرة وتدخل نفوسهم لعالم البرزخ، فيبعثوا ويردوا في الحافرة، عندما تقع الزجرة الواحدة أو النفخ في الصور نفخة واحدة هي نفخة البعث فيكونوا بالساهرة.

وبالتالي فـ "النازعات غرقاً" هي أنفس الكافرين أو أصحاب المشأمة أو أصحاب الشمال الذين يتلقون كتابهم بشمالهم، وهي الأنفس التي تنزعها ملائكة الموت عند الوفاة بشدة وقوة لأن النزع هو الجذب بشدة وقوة، ثم تذهب بها إلي عالم برزخ الكفار فتغرقها في حفر ومستنقعات قذرة تناسب طبيعتهم (أي بالوعات مجاري بعالم البرزخ)، ثم تقوم بعد النفخ في الصور بانتزاعها مرة أخري من هذه المستنقعات وتردها في كرة أخري خاسرة إلي حفر نارية جديدة في جهنم بعد الحشر، وهذا معني مردودون في الحافرة التي قالها الكفار بقولهم: " يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)".

أما "الساهرة" فهي أرض الحشر التي سيحشر فيها الجميع بعد نفخة البعث والجمع، وستنزل أو تزلف بها جنة المأوى من السماء ("وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (الشعراء:90)")،

وعندها ستبرز الجحيم للغاوين من باطن الأرض ("وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (الشعراء:91)"، والساهرة هي أرض الوادي المقدس طوى بمكة، لذا جاء بعد ذكر الساهرة مباشرة قوله تعالي: "هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)" ليلفت المولي عز وجل نظرنا إلي أن الساهرة هي الوادي المقدس طوى. وقد سميت بالساهرة لوجود الساهرون بها وهم عباد وجند الله الذين لا نراهم من حراس البيت الحرام الساهرون لا ينامون لأنهم يسبحون الله بالغدو والآصال ولا يلهيهم بيع أو تجارة عن ذكر الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهم من جاء ذكرهم بعد آية الشجرة النورانية الزيتونة المباركة المذكورة بسورة النور، والتي تسقط كما شرحت بكتبي ومقالات سابقة بالوادي المقدس طوى بمكة، قال تعالى:

 فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) (النور)

وقد شرحت سابقاً أن وادى طوى  الواقع عند بيت الله المقدس أو الحرام سمي بذلك لأنه من عنده ستطوى السماء والأرض علي ما جاء ببعض نصوص سفر أخنوخ علي لسان النبي إدريس (أخنوخ). فهذا الوادي كان أول بقعة نشأة علي الأرض من اليابسة ومن عنده ستبدأ أحداث طي السماء كطي السجل للكتب ليعيد الله أول خلق كما بدأه أول مرة في يوم الساعة والحشر مصداقاً لقوله تعالى:

يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) (الأنبياء)

أما الناشطات نشطاً فهي انفس أصحاب الميمنة أو أصحاب اليمين الذين يتلقون كتابهم بيمينهم، وتنزع الملائكة أرواحهم برفق ولين لأن النشط هو الجذب بلين ورفق، ومن معاني الناشط في اللغة: طيب النفس والعمل وكثير النشاط. وهؤلاء تكون أنفسهم نشطة متحركة بحرية في أراضي جنان عالم البرزخ ولكنها لا تسبح أو تطير في سماء هذه الجنان.

أما "السابحات سبحاً فالسابقات سبقاً" فهي أنفس السابقون المقربون من الله وهم عباد الله المخلصين، وهؤلاء تسبح أنفسهم في سماء عالم البرزخ فهم السابحات سبحاً، وعند قيام الساعة وبعد البعث تأخذهم الملائكة ويدخلونهم الجنة قبل غيرهم وبهذا تكون أنفسهم السابقات للجميع في دخول الجنة. والملائكة الذين يرعونهم في عالم البرزخ وجنات الآخرة يسمون أيضاً السابقات سبقاً، أي الذين لا يسبقهم أحد أي لا يعجزهم أحد في فعل شيء ولا يفوز عليهم أحد.

وقد جاء ذكر أصحاب هذه الأنفس الثلاثة في سورة الواقعة والحاقة في قوله تعالى:

إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً (6) وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ (14) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ (30) وَمَاء مَّسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37) لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ (40) وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ (43) لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50) (الواقعة)

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ (37) (الحاقة)

وأما "المدبرات أمراً" فهم أصحاب الأمر أو السلطان الإلهي الذين سيسيرون جميع أحداث الساعة والبعث والحشر والحساب ويخضع السابقات سبقاً من الملائكة لرئاستهم، قال مقاتل في المدبرات أمراً: هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل عليهم السلام يدبرون أمر الله تعالى في أهل الأرض، وهم المقسمات أمرا، أما جبريل فوكل بالرياح والجنود، وأما ميكائيل فوكل بالقطر والنبات، وأما ملك الموت فوكل بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم، وقوم منهم موكلون بحفظ بني آدم، وقوم آخرون بكتابة أعمالهم، وقوم آخرون بالخسف والمسخ والرياح والسحاب والأمطار.

والمدبرات أمراً هم أيضاً الموكل إليهم بأمر وإذن من الله عمليات الخلق أو الإنشاء والتكوين والإحياء والبعث لجميع المخلوقات، والذين يرأسهم جبريل وهو روح الله الذي ينفخ نفخة الحياة في جميع المخلوقات علي ما شرحنا بالمقالات السابقة، وهؤلاء ما هم بعاجزين (أي ما هم بمسبوقين) عن عمليات الخلق الأول لأبداننا (النشأة الأولي) أو إعادة إنشاء أبدان جديدة لنا (تحل وتسكن فيها أنفسنا) في كل مرحلة من مراحل الخلق والبعث أو الحياة والموت بالحياة الدنيا وحياة البرزخ أو الحيوات الأخرى السابقة أو اللاحقة لهذه الحياة الدنيا.

وعندما يحدثنا الله عن عملية خلقنا وبعثنا يستخدم صيغة الجمع ليشير إلي هؤلاء المدبرون للأمور وشئون الخلق بأمره وإذنه، ويتضح ذلك من قوله نعالى:

نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ (58) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ (62) (الواقعة)

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (العنكبوت:20)

وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (45) مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) (النجم)

فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) (المعارج)

سورة العاديات

قال تعالى:

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5) إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11) (العاديات).

ومعني العاديات أي التي تجري وتعدو بسرعات فائقة

ومعني ضبحاً أي التي تحدث صوت أو يكون لها صياح

والموريات قدحاً أي التي تقدح الشيئ فتشعل به ناراً

والمغيرات صبحا أي التي تغير وتهجم في الصباح

فاثرن به نقعاً : أي هيجن به التراب أو أثاروا به الغبار لأن النقع الغبار والنقع أيضا الصياح

فوسطن به جمعاً أي ساروا به في وسط الجمع أو الجموع.

فالعاديات ضبحاً في الغالب هي نفسها الجاريات يسراً، أي الريح التي يحركها أو يرسلها الملائكة التابعين لأصحاب الأمر أو المدبرات أمراً، أو الطير الأبابيل التي تحمل الحجارة من سجيل وأنواع أخري من العذاب، فتشتعل هذه الحجارة عند احتكاكها بالغلاف الجوى فتصبح موريات قدحاً، أي توري أو تشعل النار، ويكون لها ضبحاً أو نقعاً أي صوتاً شديداً أو صيحة، وتصل دائماً إلي القوم الذين ستهلكهم صباحاً فتصبح هي المغيرات صبحاً، وتلقي هذه الريح أو الطير الأبابيل بحجارتها وزوابعها وغبارها الذري.....الخ في وسط هؤلاء القوم.

وبالقرآن ذكر أن كل العذاب والصيحات التي وقعت بالأمم السابقة كانت تأتيهم صباحاً أو مشرقين أي عند شروق الشمس في الصباح، وكذلك العذاب أو الصيحة أو الصاعقة المنذر بها أهل الأرض الآن ستأتيهم صباحاً مصداقاً لقوله تعالي:

أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ (177) (الصافات)

وقال تعالي عن صيحة قوم ثمود (أصحاب الحجر):

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) (الحجر)

وقال تعالي عن صيحة قوم لوط:

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) (الحجر)

وللمزيد من التفاصيل راجع الفصل السادس من كتابنا "قراءة عصرية لأحداث الساعة وأهوال القيامة بالقرآن والكتب السماوية"

وجميع كتبي يمكن تحميلها من الرابط التالي:

https://heshamkamal.blogspot.com/.../normal-0-false-false...

 

 

 

كشف ألغاز الأشياء المقسم بها ببدايات سورة الذاريات

 كشف ألغاز الأشياء المقسم بها ببدايات سورة  الذاريات

هشام كمال عبد الحميد 

 

 

في هذا الجزء سنستكمل باقي السور المشابهة لسورة الصافات والمرسلات السابق شرحهما، فنوضح لكم بعض أسرار الأشياء المقسم بها ببدايات سورة الذاريات.

قال تعالى:

وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37) وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (46) وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) (الذاريات)

وأول ما سنلاحظه في هذه الآيات وجود الفاء في الحاملات وقراً والجاريات يسراً والمقسمات أمراً، وهو ما يعني وجود صلة وتعلق بينهم وبين الذاريات ذرواً، ووجود ترتيب بينهم يبدأ بالذاريات ذرواً ثم الحاملات وقراً ثم الجاريات يسراً ثم المقسمات أمراً وهم الأعلى درجة ومنزلة في هذه المجموعة.

ولفهم طبيعة ووظائف هؤلاء المقسم بهم في بداية السورة يلزمنا الوقوف علي الموضوعات والأشياء التي جاء ذكرها بالسورة بعد ذلك.

فقد جاء بعد ذكرهم مباشرة الحديث عن الوعد الصادق والوعيد الذي سيصيب الكافرين في يوم الدين (القيامة الثانية بعد قيامة يوم الفصل)، ثم ذكر السماء ذات الحبك، أي المصنوعة طرائقها وطباقها وطرقها وممراتها وأنفاقها وأفلاك مجراتها ونجومها وكواكبها بمهارة وإتقان وشدة وإحكام فلا تري فيها فطور أي عيوب أو تفاوت مصداقاً لقوله تعالى:

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) (الملك)

في الآية 22 أخبرنا المولي عز وجل أن في السماء رزقنا وما نوعد به، أي بها خزائن أرزاقنا مثل المطر والرياح الطيبة التي تحملها وبها أيضاً المذنبات والرياح الخبيثة التي تصيبنا بسوء وسيأتي منها أيضاً الصيحة والزجرة والدخان......الخ من آيات وعلامات الساعة التي ستحمل إنذارات لنا يتلوها عذاب من السماء.

واعتباراً من الآية 24 بدأ الخالق سبحانه وتعالي في الحديث عن الأمم السابقة التي أهلكها وبدأ بقوم لوط والحديث عن ضيف إبراهيم وهم رسل الله الذين أرسلهم له لينفذوا أمر الله بهلاك قوم لوط، فأوجس منهم خيفة وبشروه بولادة إسحاق (الغلام العليم)، وعند تنفيذ الوعيد الإلهي علي قوم لوط قلبوا أرضهم رأساً علي عقب فهدموا مبانيهم وصروحهم، ثم استدعى هؤلاء المرسلين ريحاً حاملة لحجارة من طين، وفي آيات أخري ذكر أنها من سجيل منضود، أي حجارة نارية مشعة ومنضبة (قنابل) مثل قنابل اليورانيوم المخصب مثلاً، وهي حجارة مسومة عند ربك أي معلمة ومرقمة ومكتوب عليها اسم من ستصيبه فلا تخطئه، فنزلت عليهم كالمطر، ونجي الله لوطاً والذين آمنوا معه، ومن ثم يتضح لنا دور هؤلاء المرسلين من الله والأدوات التي يستخدمونها في تدمير وإهلاك الأمم الظالمة، قال تعالى:

فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) (هود).

والحجارة من سجيل جاء ذكرها أيضاً عند ذكر أصحاب الفيل وقد يكون هم أنفسهم والله أعلم قوم لوط أو قوم عاد، وذكر بالسورة أن هذه الحجارة كانت تحملها وتطير بها الطير الأبابيل وليس الريح، قال تعالى:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5) (الفيل)

بعد ذلك ذكر المولي عز وجل قوم فرعون وهلاكهم، وقوم عاد الذين أهلكوا بالريح العقيم (أو الريح الصرصر العاتية، أي التي لها أصوات مرعبة وقدرة صوتية تدميرية مثل القنابل الصوتية) فلم تذر هذه الريح شيئاً علي أرضهم إلا جعلته كالرميم، أي فرغته من جسمه (فجعلته كعصف مأكول) أي أذابت لحمه وعظامه، وقوم ثمود الذين أهلكوا بالصيحة أو الصاعقة، وقوم نوح الذين اهلكوا بالطوفان.

ومما سبق يمكننا القول أن هؤلاء المرسلين الذين أرسلوا لهلاك قوم لوط كان لهم سلطان علي الرياح وأحجار السماء النارية التي من سجيل (قد تكون المذنبات جزء منها أو يتم تطويرها بقدرة إلهية لتتفتت وتتحول لحجارة من سجيل) وهم الذين يحدثون الصيحات المختلفة ومنها الصيحات الصاعقة، والريح العقيم والطير الأبابيل جند من جنودهم وأداة من أدوات تدميرهم للأمم.

وفي الآية 47 ذكر الخالق تبارك وتعالي بناءه للسماء بأيد وقدرته علي أن يوسعها كما يشاء.

وبالآيات من 56 إلي 58 ذكر لنا المولي جل وعلا أنه خلق الحن والإنس ليعبدوه ولا يريد منهم من رزق أو يريد أن يطعموه، لأنه هو الرزاق ذو القوة المتين.

وفي ختام هذه السورة ذكر بالآية 59 أن للذين ظلموا منا (أي من الموجودين علي الأرض من عصر محمد وحتي قيام الساعة) ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم السابقين الذين أهلكهم الله، والذنوب هو العذاب، وقد يكون سر تسميته بالذنوب انه سيأتي من مذنب لأن الذنوب تصغير كلمة ذنب أو مذنب. وختم الله السورة بقوله في الآية 60 " فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ".

فأهل الأرض المعاصرين الآن منذرين بذنوب وبصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود وسيضرب الأرض قريباً ضمن عذاب واشراط ونذر الساعة مصداقاً لقوله تعالى:

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (فصلت:13)

وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (فصلت:17)

والآن أعتقد أن السورة والأشياء المقسم بها في بدايتها أصبحت واضحة.

فالذاريات ذرواً هي الآيات التي يحدثنا أو يرسلها الله لنا كنذر من السماء، وبعضها يحمل لنا العذاب كالريح العقيم والمذنبات التي يتم تفتيتها وتحويلها بقدرة إلهية لحجارة من سجيل مسومة، فنتركها ولا نتعظ بها، لأن الذرو معناه الترك، فقد تركنا الآيات التي اهلك الله بها الأمم السابقة ولم نتعظ منها.

والحاملات وقراً هي الملائكة التي تجمع المذنبات المفتتة أو الحجارة من سجيل فتسومها بأمر من الله وتجمع أدوات العذاب السماوية الأخرى، ثم تحملها للريح التي ستحمل هذا الوقر أو الأشياء الثقيلة أو التي ستصك الأذن، لأن الوقر هو الحمل الثقيل وكل ما يتراكم بالآذن من تجمعات شمعية تصك آذاننا ولا تمكنا من السمع، مصداقاً لقوله تعالى:

وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (الإسراء:46)

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (لقمان:7)

والأحمال الثقيلة التي تحملها هذه الريح الموصوفة بالحاملات وقراً هي: المذنبات المفتتة (الذنوب) والصواعق والصيحة التي تصك الآذان والدخان والطوفان.......الخ.

فالطوفان يرتبط ببعض الرياح وبحركات النجوم والكواكب، وقد جاء ربط الريح بحدوث الغرق أو الطوفان في قوله تعالى:

أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً (الإسراء:69)

أما الجاريات يسراً، فهي كل ما يجري بيسر وسهولة في السماء أو البحار، فهي الريح التي ستحمل الوقر من السماء أو الموج في البحار (لتصنع التسونامي) وتذهب بهما بسرعات فائقة إلي القوم الذين سيتحقق فيهم وعيد الله بالعذاب السماوى أو الغرق أو الطوفان، وغالباً ما يكون لهذه الريح صوت شديد يقع عند دخولها واحتكاكها بالغلاف الجوي للأرض فتقع الصيحة أو الصوت الشديد الذي يصك الآذان (أي ما يشبه القنابل الصوتية)، وينتج عنها أيضاً صواعق حارقة ومهلكة.

أما المقسمات أمراً فهم أنفسهم المدبرات أمراً المذكورون في بداية سورة النازعات، وهم أصحاب الأمر أو السلطان الإلهي أو من تجلي الله عيلهم باسم أو أكثر من أسمائه الحسنى، وعلي راسهم جبريل وميكال وإسرافيل وعزرائيل، وهم من يملكون ويتحكمون في خزائن السماوات والأرض، من رياح وأمطار وسحاب وخلافه، وهم المقسمون بإذن من الله لأرزاق المخلوقات ومعايشهم، ويعاونهم جيوش مجيشة من الملائكة وجنود الله.

وللمزيد من التفاصيل راجع الفصل السادس من كتابنا "قراءة عصرية لأحداث الساعة وأهوال القيامة بالقرآن والكتب السماوية"

وجميع كتبي يمكن تحميلها من الرابط التالي:

https://heshamkamal.blogspot.com/.../normal-0-false-false...