الخميس، 5 سبتمبر 2024

ماذا قال القرآن في شأن حياة أو موت عيسى ويحي وعودتهما قبل يوم القيامة

 ماذا قال القرآن في شأن حياة أو موت عسيي ويحي وعودتهما قبل يوم القيامة

هشام كمال عبد الحميد

 

يعتبر عيسى ويحي أو يوحنا المعمدان من الشخصيات التي اختلف حولهما أهل الكتاب وخاصة المسيحيون اختلافا كبيرا ، وقد تسرب هذا الخلاف إلي أهل السلف من المسلمين فنقلوا لنا ما يدعيه أهل الكتاب بشأنهما ووضعوا لنا أحاديث مزورة منسوبة للنبي كذبا وبهتاناً تقر نفس ما يقوله أهل الكتاب ، لكن القرآن حسم ما يدور من جدل حولهما في ألفاظه المعجزة التي تزيل الكثير من اللبس حولهما لمن يتفهم معني هذه الألفاظ ويتدبر آيات القرآن جيداً.

فالمسيحيون يرون أن عيسى صلب ومات وله عودة قبل يوم القيامة، وأن يحي قتل ومات علي يد هيرودس الملك الذي قام بسجنه نتيجة اعتراضه علي قتل هيرودس لأخيه فيلبس ليتزوج من زوجته هيروديا ، ثم وقعت ابنة هيروديا في حب يحي وهو في السجن وراودته عن نفسه فرفض فطلبت من هيرودس أن يأتيها برأسه علي طبق من فضة فاستجاب لطلبها وأمز بقطع راسه وقدمها لها علي طبق من فضة.

طبعا دي كلها قصص مشمومة مثل قصص ألف ليلة وليلة ولا أي أساس لها من الصحة مثل غيرها من قصص الأنبياء الذين تم تحريف سيرهم بكتب الدين والتاريخ، ومع الأسف هذه القصة تجدها متداولة بأكثر كتب التفسير والحديث الإسلامي.

والسؤال الآن: ماذا قال القرآن في شأن وفاة النبي عيسى والنبي يحي ابن خالته؟؟؟؟؟

أولا قصة ولادة عيسى ويحي لم تخلوا من وجود معجزة في طريقة خلقهما، وقصة عيسى معروفة ولا حاجة لنا لإعادة سردها، أما قصة ولادة يحي فتمت بمعجزة أيضاً، فالنبي زكريا عند ولادته كان شيخاً كبيراً بلغ من الكبر عتياً ووهنت عظامه وضرب الشيب في كل شعر رأسه، وامرأته كانت مثله في الكبر وكانت أيضاً عاقراً لا تلد، وكان كلما دخل زكريا علي مريم المحراب (وهو المحراب الذي كان قد شيده داود من قبل في عصره) وجد عندها رزقا يأتيها به ملائكة هذا المحراب من عند الله، هنالك لم ييأس أن يدعو ربه بأن يرزقه بغلام يرثه ويرث آل يعقوب، لأن زكريا كان آخر رجل في نسل يعقوب كما يتضح من دعائه وإن لم يرزقه الله بولد فسينقرض هذا النسل، فاستجاب الله لدعائه وبشره بغلام سماه الله يحي وأخبره أن هذا الاسم سيكون اسم علي مسمي، وأن هذا الاسم لم يتسم به أحد من البشر قبله، أي سيولد يحي ليعيش ويظل حياً حتي يوم القيامة لأن معني يحي يظل حياً، فطلب زكريا من الله أن يريه آية بهذه البشري فقال له أن آيته أن ينعقد لسانه أو يغلق فمه ثلاثة ليال متوالية فلا يستطيع أن يكلم الناس إلا رمزاً أي بالإشارة والوحي باليد والحركات الجسدية، قال تعالى:

كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً (12) وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً (13) وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً (15) (مريم)

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38) فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41) (آل عمران)

ما يهمنا بالنسبة لحياة يحي في الآيات السابقة قوله تعالى:

وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً (15) (مريم)

يوم ولد: زمن فعل ماضي حدث يوم ولادته.   

يوم يموت: زمن فعل مضارع مستمر لوصف حياته وفعل مستقبلي لوصف يوم موته أي موته لم يقع بعد، فلو كان يحي قد قتل كما ادعي الخراصون لقال تعالى : ويوم مات وليس يوم يموت، فاستخدام القرآن لصيغة المضارع المستمر كمستقبل لوصف يوم موته يؤكد أنه لم يمت بعد وسيموت في المستقبل وأنه ما زال حياً كما وصفه القرآن بأنه لم يجعل له سميا، أي اسم علي مسمي يحي وسيظل يحي أو حياً.

ويوم يبعث حياً: أيضا زمن فعل مستقبلي لم يقع بعد وسيقع في المستقبل بعد موته بآخر الزمان باعتباره من المنظرين كعيسى وإدريس وإلياس وإبليس والدجال وغيرهم.

وطائفة المسيحيين المعمدانيين أتباع يوحنا المعمدان (يحي) يؤمنون بان يحي حي لم يمت بعد وله عودة قبل يوم القيامة. وهو في الغالب يعيش مع المسيح الآن في جنة برزخيه.

أما فيما يخص حياة عيسي وعودته قبل يوم القيامة فنستنتجه من الآيات التالية:

وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) (الزخرف)

ومن الآيات السابقة نجد أن عيسي علم من أعلام الساعة أي شرط من أشراطها الكبرى، أي هو مازال حياً ولم يمت وفي عودته الثانية سيكون علم من أعلام أو أشراط الساعة.

وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (آل عمران : 46 )

وقد كلم عيسى الناس وهو في المهد، ومتبقي أن يكلمهم وهو كهلاً (شيخ عجوز أو كبير في السن) ومعلوم أنه رفع للسماء وهو شاب وليس كهل، إذن عيسى له عودة ويستمر بالأرض حتي يصبح كهلاً.

وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (النساء : 159)

إذن من أهل الكتاب من سيؤمن بعيسى قبل موته، ونظراً إلي أنه لم يمت بعد، فلا بد من عودته وإيمان بعض أهل الكتاب به في آخر الزمان قبل موته، وقد جاء بالأحاديث النبوية أن له عودة وسيكسر الصليب ويذبح الخنزير ويحرم أكله ويؤمن به بعضاً من أهل الكتاب في آخر الزمان.

وقال تعالى:

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) (المؤمنون)

من الآيات السابقة نستنتج أن الله جعل عيسي وأمه آية للناس وأنه آويهما إلي ربوة ذات قرار ومعين، والمعين جاء وصفه في القرآن للماء الذي سيشرب منه أهل الجنة، والقرار هو المكان المستقر الذي ليس به تغيرات مناخية، وباختصار المكان ذو القرار ومعين هو وصف لجنة أرضية مخفية أو بعدية برزخيه يعيش بها عيسي وأمه الآن ولهما عودة في نهاية الزمان، ومن بعض طوائف المسيحيين من يقر بإن مريم لها عودة مع عيسى.

فعيسى لم يقتل ولم يصلب بل رفعه الله إليه، مما يعني رفعه لمكان سماوي أو جنة برزخيه مصداقاً لقوله تعالى:

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) (النساء)

أما الوفاة المذكورة علي لسان عيسى في قوله تعالى:

وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) (المائدة)

فالوفاة هنا تعني الإمساك عند الله وليس شرطا أن تعني الموت لأن الله يتوفي (يمسك) الأنفس حين موتها ويتوفي الأنفس أيضاً حين منامها، فأما التي قضي عليها الموت أثناء النوم فيمسكها ولا يرجعها للجسم مرة أخري، والتي لم يقضي عليها الموت يرسلها حتي يحين موعد أجلها أو موتها، قال تعالي:

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الزمر : 42 )