معجزات عيسي وسر الروح القدس الذي أيده الله به
هشام كمال عبد الحميد
أتى الله سبحانه وتعالى النبي عيسى معجزات لم يؤتها لأحد من الرسل، منها تكلمه في المهد وأحياؤه الموتى وإبراءه الأبرص والأكمه وخلقه صور من الطين ثم نفخه فيها فيصير طيراً بإذن الله وأخباره للناس بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم، مصداقاً لقوله تعالى:
وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (آل عمران : 49 )
إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (المائدة : 110 )
فما هو سر هذه المعجزات التي كان يفعلها منذ ولادته وهو في المهد صبيا؟؟؟؟؟؟
هل السر كان يكمن في عيسى عليه السلام بمعجزة من الله كما قال المفسرون، أم هناك سر آخر غاب عنهم نتيجة عدم التدبر الجيد لآيات الله، وتمسكهم بالفرعيات وإهمالهم لأهم شيء في معجزات عيسى وهو تأييد الله له بروح القدس؟؟؟؟؟
للإجابة تعالوا لنتدبر الآيات الآتية، قال تعالى:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (البقرة : 87 )
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (البقرة : 253 )
إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً....... (المائدة : 110 )
ما نستنتجه من الآيات السابقة هو تأييد الله لعيسى منذ ولادته بالروح القدس.
فمن هو الروح القدس وكيف كان تأييده لعيسى؟؟؟؟؟؟؟
الإجابة في قوله تعالى:
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل : 102 )
إذن الروح القدس هو من نزل بالقرآن علي محمد صلي الله عليه وسلم، أي هو جبريل عليه السلام، وهو نفسه الروح الأمين مصداقاً لقوله تعالى:
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٩٢﴾ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴿١٩٥﴾ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴿١٩٦﴾ (الشعراء)
وهو نفسه الروح الذي أرسله الله لمريم فتمثل لها في صورة رجل ونفخ فيها من روحه ليهب لها عيسى، ونسب الله في آية هذه النفخة لنفسه فقال (فنفخنا فيها من روحنا – فنفخنا فيه من روحنا) وفي آية أخري نسب هذه النفخة لجبريل فقال (فأرسلنا لها روحنا)، قال تعالى:
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (الأنبياء : 91 )
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (التحريم : 12 )
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً (19) (مريم)
يعني ببساطة روح القدس لم يفارق عيسى منذ ولادته وحتي وقت رفعه للسماء، فكان ملازماً له طوال الأربع وعشرين ساعة في يقظته ومنامه، فيقوم بحراسته ومساعدته في جميع المعجزات التي سيقوم بها أمام الناس.
إذن عملية خلق عيسى تمت بمعرفة جبريل وبإذن وأمر له من الله، ثم لازم جبريل عيسى منذ ولادته، ومن ثم فالذي كان يكلم الناس في المهد علي لسان عيسى وهو صبياً كان جبريل، والذي كان ينفخ في صور الطين المشكلة علي هيئة طير التي يصنعها عيسى فيحيلها لطير حي بإذن الله بعد نفخة عيسى فيها أمام الناس هو جبريل، ولكن الناس كانوا يظنون أن عيسى هو الذي يفعل ذلك، والذي كان يحي الموتى بكلمة من عيسى وإذن من الله هو جبريل، والذي كان يبرأ الأكمه والأبرص بكلمة من عيسى هو جبريل، والذي كان يأتي لعيسى بأخبار الناس وما يأكلون ويدخرون في بيوتهم هو جبريل عليه السلام.
لذا اعتبر النصارى بسوء فهم وبغواية وتضليل من إبليس لهم أن الله وعيسى وجبريل تجسدوا في شخص المسيح وأنه إله وابن إله، فاخترعوا التثليث والأقانيم الثلاثة وأنها في النهاية أقنوم واحد فقالوا: " باسم الأب (الله) والأبن (عيسى) والروح القدس (جبريل) إله واحد أمين".
ورغم اعترافهم بجبريل في أقنومهم وعقائدهم فأنهم وكثير من المثلثين مثلهم من الديانات الأخرى عادوا جبريل واتخذوه عدواً لهم، وبعضهم اعتبر ميكائيل أيضاً عدو لهم، وذلك لأن هلاك جميع الأمم المشركة والكافرة السابقة لهم تم هلاكهم بأيدي جبريل وملائكته وميكائيل وملائكته، لذا قال الله تعالى:
قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (البقرة : 97 )
مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ (البقرة : 98 )
إذن إبراء عيسى للأكمه والأبرص كان يتم عن طريق جبريل الذي يحمل صفة الله الشافي باعتباره أمر من الأوامر الإلهية بعالم الأمر وهم أصحاب الأسماء الحسني والسلطان أو المدبرون أمراً كما شرحنا بمقالات سابقة، وخلق عيسى في رحم مريم تم بمعرفته لأن معه صفة الروح وتجلي الله عليه أيضاً بصفته أو أسمه الخالق والمصور، وإحياء عيسى للموتى تم عن طريق جبريل لأن معه صفة الله المحي ومعه الروح، ونفخ عيسى في الطين المشكل علي هيئة طير فيصير طيراً بإذن الله كان يتم عن طريق جبريل لأن معه أو تجلي الله عليه بصفته أو أسمه المحي والباعث. فجبريل كما سبق وأن شرحنا هو رئيس عالم الأمر والسلطان وتجلي الله عليه بأكثر من اسم من أسمائه الحسنى وأسماء القهر والجبروت وعلي رأسها أسمه الجبار المشتق منه أسم جبريل (جبر – إيل، أي قوة الله الجبارة)
أما عزرائيل مثلاً فليس معه سوي صفة الله المميت، ومعه جيوش من الملائكة سماهم الله ملائكة الموت الموكلين بكل منا، وإسرافيل ليس معه سوي صفة الله المرسل والممسك، فهو الذي يمسك الأنفس حين موتها وحين منامها وهو الذي ينفخ في الصور فيرسل هذه الأنفس لأجسام أصحابها عند البعث.
فقد أوجد الله كائنات عالم الأمر التي تجلي فيها بصفاته واسمائه الفاعلة بأمره كن فيكون، وهي من تقوم مع الجيوش المجيشة لها من الملائكة بتنفيذ أوامره بخلق جميع المخلوقات وتدبير شئونها وشئون الكون كله، وهم أصحاب الأمر أو السلطان الإلهي أو المدبرون أمراً، وفي النهاية ينسب الله جميع أعمالهم لنفسه وليده (قوته الفاعلة) لأنهم لا يفعلون شيئاً من تلقاء أنفسهم وكل أفعالهم تتم بإذن وأمر من الله لهم.