كشف طلاسم وألغاز الأشياء المقسم بها ببدايات سور الصافات
هشام كمال عبد الحميد
هذا المقال هو جزء من سلسلة المقالات السابقة التي تحدثنا فيها عن عالم الأمر وعالم الخلق والملائكة فيرجي مراجعتهم، وفي هذا المقال والمقالات التالية سنجتهد ونقدح زناد فكرنا في محاولة لكشف الغموض وإماطة اللثام وفك ألغاز وطلاسم الأشياء الموصوفة أو المقسم بها في أوائل سور الصافات والذاريات والمرسلات والنازعات والعاديات، والتي احتارت العقول من قبل في تحديد هويتها علي وجه الدقة أو فهم معانيها وتوضيح كنيتها وطبيعتها والوقوف علي صلاتها وعلاقتها بباقي الآيات التالية لها في كل سورة منهم، ولم تستطع تفسيرات المفسرين لها من سد رمق ظمأنا للوصول للحقيقة، كما لم تستطع أن تعطينا تفسير معقول ومنطقي يتناسب مع الصفات الموصوف بها هذه الأشياء وسر القسم الإلهي بها.
وعموماً قد بذل السابقون محاولتهم ويشكروا عليها، وهذا لا يمنع أن نجتهد أيضاً لمحاولة فهم أسرار هذه السور والآيات، وقد نصيب أو نخطئ فيها أو نصيب في البعض ونخطئ في الآخر، ونسال الله التوفيق والسداد والرشد في هذه المحاولة الاجتهادية.
ففي البداية لا بد أن نقف علي قاعدة هامة في كل سور وآيات القرآن وهي علاقة الآيات السابقة واللاحقة لكل آية ببعضها، فهناك علاقة ترد بصورة خفية وأخري ترد بصورة صريحة وواضحة بين الأشياء الغامضة والمبهمة أو الملغزة في أي آية وبين ما تم الحديث عنه بالقرآن في الآيات السابقة أو اللاحقة لها بنفس السورة أو بآيات سور أخري تتعلق بنفس موضوع الآية أو الكلمة المبهمة والملغزة بها.
وقد وجدت أن أفضل طريقة لحل ألغاز هذه السور هي ترتيبها أولاً بنفس الترتيب الوارد لها بالقرآن فنبدأ بفهم الصافات أولاً (وترتيبها بالقرآن 37) ثم ندخل بعدها علي الذاريات (وترتيبها 51) لأن الصافات ستحل جزء منها، بعد ذلك نحلل ونفهم المرسلات (وترتيبها 77) ثم النازعات (وترتيبها 79) ثم العاديات (وترتيبها 100)، فكل سورة تفتح علي التي بعدها وكل منها مرتبط بما قبلها.
وتلاحظ لي وجود عامل أو مجموعة عوامل مشتركة بين كل هذه السور يمثل المفتاح والقاعدة الذهبية التي سيتم من خلالها فهم ما استعصي فهمه بهذه السور، ففي كل هذه السور يأتي بعد الأشياء المبهمة المذكورة في بدايتها الحديث عن الآتي:
· السماء أو الدقة والمهارة الإلهية في صنعها أو ذكر نجومها، وذكر الحراسات الشديدة بها، وما تحمله السماء من آيات وخزائن بها أرزاقنا، وأدوات الوعد والوعيد التي سيتم بها هلاكنا كالصيحة والزجرة والذنوب والراجفة والطامة الكبري.....الخ.
· ذكر بعض الآيات الإعجازية لله في خلق الإنسان وبعض مخلوقات السماوات والأرض.
· تكذيب الكافرين للبعث وما سيحيق بهم عند البعث.
· ذكر القيامة الأولي (يوم الفصل) والحشر والحساب والقيامة الثانية (يوم الدين) وما سيقع بكل منهما، وما سيحلق بالكافرين والمكذبين لهما من هول أحداثهما.
· مآل الكافرين والمؤمنين في الآخرة وأوصاف الجنة والنار.
· ذكر هلاك الأمم السابقة التي كذبت الرسل والآيات التي أرسلها الله لهم كإنذار للوعيد الذي أنذرهم به المرسلون ووعيد لنا بأن ننتظر أن يصيبنا عند قيام الساعة مثل ما أصابهم وأكثر.
وسنبدأ الآن بسورة الصافات. قال تعالى:
وَالصَّافَّاتِ صَفّاً (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ (27)................. وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنْ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182) (الصافات)
فما هي الصافات والزاجرات والتاليات ذكراً ؟؟؟؟؟؟.
قال أهل التفسير أن المراد بالصافات والزاجرات والتاليات: جماعات الملائكة، وقد جاء وصف الملائكة بأنهم صافون، وذلك في قوله تعالى عنهم : وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون، ومعنى كونهم صافين أنهم يكونوا صفوفا متراصين بعضهم جنب بعض في السماء. وقيل لأنهم يصفون أجنحتهم في السماء، ينتظرون أمر الله.
وقيل أن الزاجرات
زجرا هي الملائكة التي تزجر السحاب وتسوقه، وقيل:
تزجر الخلائق عن معاصي الله بالذكر الذي تتلوه وتلقيه إلى الأنبياء.
وقيل في " التاليات
ذكرا " المرددون لكلام الله تعالى الذي يتلقونه من جانب القدس لتبليغ بعضهم
بعضا أو لتبليغه إلى الرسل كما أشار إليه قوله تعالى حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا
ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ،
وبينه قول النبي صلى الله عليه وسلم - إذا
قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على
صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا: الذي قال الحق.
وقيل المراد بالتاليات
ما يتلونه من تسبيح وتقديس لله تعالى لأن ذلك التسبيح لما كان ملقنا من لدن الله
تعالى كان كلامهم بها تلاوة.
وللوقوف علي حقيقة هذه الأشياء تعالوا لنتدبر السورة بعناية، ففي بداية
هذه السورة يوجد 3 صفات تصف 3 أشياء أقسم الله بهم لعظم قدرهم أو قوة تأثيرهم في
السماوات والأرض وجميع المخلوقات وهي: الصافات والزاجرات والتاليات، وسنلاحظ دخول
حرف الفاء وليس الواو علي الأثنين التاليين للصافات، وفي اللغة الفاء تقتضي الوصل والتعلق
والتعقيب علي ما قبلها أو الترتيب من الأدنى للأعلى أو العكس، والواو تقتضي الفصل
والتغاير، ومن ثم فالزاجرات زجراً والتاليات ذكراً متصلة ومتعلقة بالصافات صفاً
لوجود الفاء بهما، وتالية لها في المقام الأعلى أو الوظائف التي تقوم بها. أي قد تكون
الصافات هي في الغالب الأعلى مرتبة ثم يليها الزاجرات ثم التاليات ذكراً، أو العكس.
ولفهم طبيعتهم وتحديد كنيتهم والوقوف علي حقيقتهم لا بد من فهم الآيات التالية بنفس السورة جيداً لأنها ستكون ذات علاقة وطيدة بهم بصورة مباشرة أو بكنايات وإشارات ملغزة تكشف كثيراً من طبيعتهم ووظائفهم أو أدوارهم.
وقد جاء الحديث بعد ذكرهم عن تزيين السماء الدنيا بزينة الكواكب (المجال
المغناطيسي الذي يخرج من القطب المغناطيسي المتولد من مكان سقوط الشجرة النورانية
الزيتونة المباركة بوادي طوي المقدس بمكة) وهو يمثل لباس تقوى الأرض أو هالتها
النورانية أو درعها الحامي والواقي لها من الأشعة والموجات الكونية والرياح
الشمسية ومنع الشياطين من اختراق مجاله والصعود لسماء الملأ الأعلى للتجسس
عليهم....الخ.
وعند نهاية هذا المجال المغناطيس الذي يغلف الأرض من الخارج والمعروف بحزام فان ألن يوجد بوابات الصعود للسماء العلي التي ملئها الله بحراسات شديدة في ليلة القدر التي نزل فيها القرآن وبراجمات صواريخ الشهب الإلهية الذكية الثاقبة (الشهاب الثاقب) المثبت بها رادارات رصد إلهي تقوم بالرصد عن بعد (الشهاب الراصد) لكل من يحاول الصعود من البوابات السماوية من الشياطين للتجسس علي الملأ الأعلى، فتنطلق نحوه بعد تسجيل بصمته الموجية عليها وتتعقبه بالإشعاع الحراري فلا تتركه إلا صريعا بعد أن تثقبه وتفتت أشلائه.
ثم جاء بعد ذلك الحديث عن السماء الأشد خلقاً من خلق البشر المخلوقين من طين وكذلك اشد من خلق الشياطين، ثم تلي ذلك الحديث عن إنكار الكافرين (أكابر المجرمين الحاليين وبكل الأمم السابقة وهم البيونير أو القادة والسادة فيهم التابعين لحزب الشيطان).
وبعد ذلك جاء بالسورة الحديث عن بعض الأنبياء والمرسلين وتكذيب أممهم لهم ووقوع عذاب وهلاك الله عليهم، والحديث عن خلق بعض الغلمان لبعض الأنبياء بطرق إعجازية .
وفي ختام السورة تحدث الصافون عن أنفسهم فقالوا وإنا لنحن الصافون ونحن المسبحون وما منا إلا له مقام معلوم.
مما سبق يمكننا القول باختصار شديد أن الصافات صفاً والزاجرات زجراً والتاليات ذكراً، هم مجموعات الصافون المسبحون والأجهزة والأدوات والآلات الحربية المساعدة لهم، الذين يعملون تحت رئاسة جبريل وميكائيل.
فالصافات صفاً يمثلون منظومة الخوارزميات الإلهية أو مصفوفة الماتريكس الإلهية، أو منظومة البرمجة اللغوية والعصبية والعقلية والنفسية والروحية والإحصائية والكيميائية والذرية.....الخ لجميع المخلوقات، فنجد بداخل عقولهم وأدواتهم وأجهزتهم سجلات وملفات كاملة للمصفوفات والمنظومات والتراتيب والتراكيب الكيميائية والفيزيائية والإشعاعية والموجية الإلهية المتعلقة بخلق جميع المخلوقات الحية أو الجمادات، وخلق المجاميع والمنظومات النجمية والمجرية والكونية والفلك السماوي ، وهم من يديرون ويدبرون شئون الفلك والأكوان. ومنهم من يصطف في صفوف في السماء ليقوموا بحراستها وحراسة بواباتها وممراتها الدودية، ويديرون منظومة الدفاع الفضائي والجوي العسكرية الإلهية وراجمات الشهب أو الصواريخ السماوية الملحقة بها.
فخوارزميات ترتيب الجينات داخل الكروموسومات الموجودة بأنوية جميع الخلايا الحية ومنها نواة الخلية الحية البشرية وما يحدث بها من تفاعلات كيميائية وطاقية هي أحدي المصفوفات المسجلة بعقولهم وأجهزتهم ، وخوارزميات ترتيب وحركة الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات.....الخ داخل الفلزات (المعادن) وترتيب الفوتونات داخل الحزم الضوئية والموجية والإشعاعية هي أيضاً من المصفوفات المسجلة بعقولهم وأجهزتهم والتي علي اساسها يقومون بخلق هذه المخلوقات بأوامر إلهية لهم ، وحركات النجوم والكواكب والأقمار وكل الأجرام السماوية هي مصفوفات هم من يخلقها ويدبر أمرها وشئونها بأمر إلهي يصدر لجبريل الذي يمثل ضمن وظائفه الروح الإلهية فوصفه الله بأنه روحه أو روحه القدس الذي أرسله إلي مريم لينفخ فيها نفخة خلق عيسي وفق مصفوفة ترتيب الجينات داخل الكروموسومات البشرية ، وبعد تمام عمل جبريل والملائكة المعاونين له في عمليات الخلق والتسوية له يتدخل الخالق بذاته في خلق أي مخلوق ليتم خلقه النهائي بقوله له كن فيكون.
فالصافات هم بعض الملائكة، وجيوش أو جنود من جنود الله الذين لا يعلمهم إلا هو التابعين لرئاسة بعض أصحاب الأمر أو السلطان أو الأسماء الحسنى (كجبريل وميكال وإسرافيل وعزرائيل)، وهم يقفون في صفوف تراتبية بالسماء عند بداية حدود الملإ الأعلى لأداء العبادات والتسبيحات والتقديسات لله وتنفيذ أعمال ومهام أخري، ولكل واحد منهم مرتبة ودرجة معينة في الشرف والفضيلة أو في الذات والعلية. لذا جاء علي لسانهم بالقرآن بنهاية سورة الصافات أن لكل منهم مقام معلوم وأنهم الصافون والمسبحون، قال تعالي:
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) (الصافات)
والصافات صفاً أيضاً هم الملائكة الذين وصفهم الله بأنهم يقومون مع الروح يوم القيامة صفاً وذلك في قوله تعالي :
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا (النبأ: 38).
وبين صفوف الصافات يوجد الزاجرات زجراً والتاليات ذكراً، والزاجرات غالباً يقفون في المقدمة وهم جيش الدفاع الأول عن منطقة الملإ الأعلى أو الطور السماوي الذي عنده عرش الرحمن بمركز مجرتنا وجنة الماوي وسدرة المنتهى والبيت المعمور وأصل أو منبت الشجرة النورانية الزيتونة المباركة، ووظيفتهم الأساسية حراسة وحماية وحفظ بوابات السماء الدنيا، وزجر الشياطين الذين يحاولون استراق السمع (التجسس) من التاليات ذكراً الموجودين بالملإ الأعلى، فيقومون بقذفهم ورجمهم بالشهب (أي يطلقون عليهم من راجمات الشهب أو مدافعهم وبنادقهم وأسلحتهم النارية قذائف أو طلقات أو سهام أو صواريخ نارية موجهة بالإشعاع الحراري تظل تتعقبهم في السماء حتي تتمكن منهم فلا تتركهم إلا صرعي)، لذا جاء بالسورة بعد ذكرهم مباشرة الحديث عن تزيين السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظها من كل شيطان مارد (وزينة الكواكب هي المجال المغناطيسي الذي يغلف الأرض من الخارج والصادر من القطب المغناطيسي المتولد من الشجرة النورانية علي ما شرحنا سابقاً).
وقد جاء علي لسان الجن ذكر الحراسات الشديدة التي حصنت بها السماء عند نزول القرآن بقولهم:
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً (9) (الجن)
والزاجرات هم أيضاً الذين سيحدثون الزجرة الواحدة عند قيام الساعة، لذا رد الله علي المنكرين للبعث في نفس السورة بقوله تعالى:
وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ (19) (الصافات)
والزجرة الواحدة هي في الغالب الصيحة الواحدة التي ستأخذ الكافرين فتصعقهم أو تميتهم وهم يخصمون ثم يعقبها نفخة الصور التي ستبعثهم من مراقدهم بالأجداث (العوالم البرزخية) لتحشرهم وتجمعهم ليوم الحساب، والتي جاء ذكرها في سورة النازعات أيضاً بقوله تعالى:
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ (14) (النازعات)
والصيحات المنذر بها أهل الأرض الآن جاء ذكرها بالآيات التالية:
وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ (ص:15)
مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) (يس)
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ
وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ
عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) (ق)
أما التاليات ذكراً فهم من مجموعة جبريل المسئولون عن صياغة كلام وأوامر الله في الكتب السماوية التي تنزل علي الأنبياء وفق برامج ومصفوفات وتراتيب لغوية وإحصاء عددي وحسابي معجز يعجز الإنس والجن عن الإتيان بمثله كما سبق وأن شرحت بالمقالات الخاصة بجبريل، وهم وجبريل المتحدثون معنا في القرآن المصاغ علي لسانهم ولسان جبريل باستثناء آيات قليلة مصاغة علي لسان الله وموجهة منه لنا أو لأنبيائه بصورة مباشرة دون صياغتها من هؤلاء الصافون أو من جبريل. وجميعهم من المسبحون المقدسون لله.
وهؤلاء يقومون بصفة دائمة بالتواصل مع ملائكة الأرض وجميع الكواكب والنجوم من خلال أرسال رسائل مشفرة مثل رسائل الفاكس والمحمول و.....الخ ليعطوهم التعليمات والتوجيهات والتغيرات والتطورات أولاً بأول وبصورة يومية أو ليتلقوا منهم الرسائل المتعلقة بالبشر وأعمالهم بالصوت والصورة......الخ ليسجلوها عندهم في اللوح المحفوظ والزبور السماوي أو الكتب المرقومة (المرقمة أو الديجيتال المفهرسة والمحفوظة عندهم، والمسجل بها أيضا صورة طبق الأصل من أعمالنا بالصوت والصورة أي فيديو قبل خلقنا ليتم مطابقة الفيديوهين لنا علي اللوح المحفوظ العملاق -أو الشاشة الديجيتال- في الآخرة عند حسابنا)
وكان إبليس قبل نزول القرآن قد نصب له ولشياطينه بكواكب ونجوم السماء قواعد تنصت وتجسس لالتقاط هذه الرسائل ومحاولة فك شفراتها، فتم منع ذلك بعد نزول القرآن في ليلة القدر وملء السماء بحراسات مشددة وشهب وترميم ما تم في المجال الجوي والمجال المغناطيسي للأرض من خروقات وفجوات وثقوب أحدثها إبليس وشياطينه قبل نزول القرآن.
وقام المولي عز وجل وجبريل وهؤلاء الملائكة بقطع وتعطيل شبكة الاتصالات الفضائية بين المتواجدين بهذه القواعد السماوية الشيطانية وبين إبليس وشياطينه بالأرض، وقبل اليوم الموعود وبعد ظهور المهدي وهو يوم اقترب جدا،ً سيقوم ميكائيل وجنوده بتدمير هذه القواعد وطرد من فيها (بعد أن يأكلوهم علقة محترمة) ثم يجبروهم علي النزول للأرض بسفنهم وأطباقهم الطائرة فيحدث الغزو الفضائي منهم لأهل الأرض (قبل خروج الدجال أو في زمنه أو عند نهاية فترة حكمه) كما ذكر بسفر الرؤيا الإنجيلي.
والتاليات ذكراً أيضاً هم الحفظة الذين يحفظون الكتب السماوية كالقرآن قبل تنزيلها علي الرسل ويحفظون أيضاً بعض الأمور الغيبية بالملإ الأعلى التي كان الشياطين يحاولون معرفة أخبارها، وهم المتحدثين بالآية التالية:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9)
وهم السفرة الكرام البررة الذين بأيديهم الصحف المكرمة (الكتب السماوية) والوارد ذكرهم في قوله تعالي:
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاء ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (13) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) (عبس)
إنه عالم ملك وملكوت إلهي تعجز ألسنتنا ويعجز عقلنا وإدراكنا وفهمنا عن الإلمام بكل تفاصيله أو وصفه علي وجه الدقة، وما نقوله هو مجرد تصور لنقرب الصورة إلي الأذهان ونفك بها بعد الأمور الملغزة والمشفرة والمتشابهة بمعجزة القرآن، والله الموفق وهو الهادي إلي سبيل الرشاد.
وللمزيد من التفاصيل راجع الفصل السادس من كتابنا "قراءة عصرية لأحداث الساعة وأهوال القيامة بالقرآن والكتب السماوية"
وجميع كتبي يمكن تحميلها من الرابط التالي:
https://heshamkamal.blogspot.com/2023/05/normal-0-false-false-false-en-us-x-none.html