السبت، 24 أغسطس 2024

جبريل روح الله والروح القدس والروح الأمين علي الوحي والمتحدث باسم الله ورئيس عالم الأمر الإلهي والمسئول عن أمر الساعة

 جبريل روح الله والروح القدس والروح الأمين علي الوحي والمتحدث باسم الله ورئيس عالم الأمر الإلهي والمسئول عن أمر الساعة

هشام كمال عبد الحميد

 

تنويه : قبل قراءة هذا المقال لا بد أن تقرأ مقالنا السابق الخاص بعالم الخلق وعالم الأمر.

لكي نفهم عالم الأمر والسلطان أو المدبرون أمراً (الكائنات التي تجلي الله فيها بأسمائه الحسني وأسماء القهر والجبروت) بصورة صحيحة من خلال آيات القرآن فلا بد أن نفهم أولاً طبيعة جبريل لأنه أهم أمر وأهم لغز في عالم الأمر.

فالسلطان الحجة المنزلة من الله والسلطان أيضاً صاحب السلطان أي صاحب التسلط والسلطة والغلبة والقهر كما في قوله تعالى:

أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (الروم:35)

من الآية السابقة نستنتج أن السلطان الذي يحدثنا عنه المولي عز وجل هو كيان أو كائن يتكلم، وبالقطع يتكلم بما يوحي إليه من الله وليس بما كان يشرك به المشركون. أي أن السلطان أو صاحب السلطان هو كائن كجبريل مثلاً.

ولكي نزيد لكم الأمور إيضاحاً حول عالم الأمر نقول أن عالم الأمر هو عالم الأوامر الإلهية، سواء أكانت هذه الأوامر أوامر يدبرها ويقدرها الله ثم يقوم بتنفيذها أو كانت كائنات أو كيانات أو موجودات جسد فيها بعض صفاته الحسني لتنفيذ هذه الأوامر، وهذه الكائنات أطلق عليها في القرآن أسم أمر أيضاً لأنها أنشأت من ذاته ووجدت بأمره كن فيكون علي ما شرحنا بالمقال السابق، فعالم الأمر كله أمر في أمر. وهذه الكائنات لا يجوز أن نطلق عليها لفظ مخلوقات أو ملائكة لأن الأثنين ينتمون لعالم الخلق أما هؤلاء الكيانات فتنتمي لعالم الأمر والسلطان الإلهي.

وعالم الأمر مقسم لعدة أمور أو أقسام لا يعلم عددها إلا الخالق سبحانه وتعالى، وأهم هذه الأمور التي يمكننا استخراجها من آيات القرآن هي:

أمر العلم والحكمة الإلهية - أمر الروح – أمر الوحي والرسالات – أمر الكتابة والتدوين وحفظ الكتب والملفات المتعلقة بشئون الله أو بالمخلوقات - أمر الخلق – أمر الساعة – أمر الإماتة والفناء والهلاك – أمر البعث - أمر الإحياء – أمر تدبير شئون السماء والأرض وما بينهما – أمر تدبير أو تسخير شئون النجوم والأفلاك - أمر تقسيم الأرزاق علي المخلوقات – أمر الغيب والشهادة – أمر العزة والجبروت الإلهي..........الخ.

وكل أمر من هذه الأوامر أو مجموعة منها يفوض أو يوكل الله أمرها إلي أحد أصحاب السلطان أي أحد الكائنات التي يوجدها من ذاته أو يتجلى فيها بصفة أو عدة صفات من أسمائه الحسنى أو  أسماء الجبروت ويجيش الله له ما يشاء من أدوات وقوي وملائكة وجنود لا يعلمهم إلا هو. ويسمي صاحب هذا الأمر في كثير من الأحيان رب فالرب هو المدبر والمتصرف والمتسلط وصاحب السلطان في أمر ما، فعالم الأمر هو عالم الأرباب والعالين والذين عند الله والشهود المقربين وأصحاب السلطان والمدبرون أو المقسمون أمراً فهذه كلها مسميات لهم جاء ذكرها في القرآن والله هو ربهم الأعلى ورب العالمين ورب كل شيء علي ما شرحنا بالمقال السابق.

ويعد جبريل عليه السلام هو الجوكر في عالم الأمر أو عالم أصحاب السلطان الإلهي لأنه رئيسه، فقد جسد الله فيه عدة صفات وليس صفة واحدة من أسمائه الحسنى وأسماء الجبروت، فهو روح الله والمسئول عن نفخ الروح في جميع مخلوقات الله بإذن منه، والروح هي التي تدب الحياة والحركة والفعل في أي مخلوق فهي الطاقة المحركة لأي كائن مثل طاقة الكهرباء والقوي المحركة التي تشغل الآلات والمعدات وبوقفها تحدث وفاة الإنسان، لذا وصفه الله بأنه شديد القوي ووصفه بأنه ذو مرة فاستوى أي ذو مستويات متعددة من الطاقة النارية النورانية الإلهية، وهو المسئول عن الوحي الإلهي المنزل علي جميع الأنبياء والرسل والمتحدث باسم الله في جميع الكتب السماوية وكثير من الآيات القرآنية كما سنري مصاغة علي لسانه، أي يمكننا القول بمصطلحاتنا ولغاتنا المعاصرة لتقريب الصورة لكم أنه المتحدث الإعلامي باسم الله، وكل أحداث القيامة والبعث وإحياء الموتى ستتم من خلال جبريل كما سنري، لأن عمليات الإحياء والبعث لن تتم إلا من خلال روح الله المودعة أو المجسدة فيه وبإذن من الله، كما أنه المسئول هو وجيوشه من الملائكة عن هلاك جميع الأمم والمخلوقات وتنفيذ وعيد ووعد الله فيمن عصوه منهم، وهو الروح الأمين الروح القدس بالقرآن وعند النصارى.

وجبرائيل أو جبريل اسم يتكون من مقطعين جبر+إيل والجبر هو الجبروت أو القوة القهرية الجبرية وإيل هو اسم الله في العبرية وأكثر اللغات السامية القديمة، أي هو قوة الله القهرية الجبرية.

أي باختصار يمكننا القول بأن الله في الغالب جسد فيه أو تجلي عليه بعدة صفات من أسمائه الحسنى هي: النور والقوي والعزيز والجبار والمتكبر والمحيي والباعث والأمين والمهلك....الخ.

والآن سنأتي علي ذكر آيات القرآن التي يمكن أن نستنتج منها كل الأسماء أو الصفات التي تجلي الله  علي جبريل بها.

قال تعالى:

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) (القدر)

وهناك إجماع بين العلماء علي أن الروح الذي تنزل في ليلة القدر التي نزل فيها القرآن هو جبريل. فجبريل نزل في هذه الليلة ومعه الملائكة سواء المعاونين والمسخرين له كرئيس وصاحب أمر أو سلطان بعالم الأمر، أو غيرهم من الملائكة المسخرين لغيره من أصحاب الأمر والسلطان وبإذن من ربهم المسخرين له لتنفيذ أوامر إلهية في هذه الليلة بأمر من رب الأرباب ورب كل شيء وهو الله الواحد القهار.

وهذا يفسر لنا لماذا قال الله أنهم يتنزلون من كل أمر ولم يقل يتنزلون بكل أمر، فكما قلنا سابقاً هناك أقسام في عالم الأمر وكل قسم أو مجموعة أقسام لها صاحب أمر يمثل تجلي من تجليات الله في أسمائه الحسني وهو جزء لا يتجزأ عن الله علي ما شرحنا بالمقال السابق، وهم يتنزلون من هذا القسم بإذن وأمر من رب هذا القسم والذي يأخذ أمر مسبق من الله جل وعلا بتنفيذ شيء ما، ومن ثم فمعني تنزل الملائكة من كل أمر أي من كل قسم من أقسام عالم الأمر أو عالم العالين أو أصحاب السلطان الإلهي.

وقد فصل الله بين هؤلاء الملائكة وبين جبريل وأطلق عليه أسم الروح ليميز بين طبيعة تكوينه وبين خلقة الملائكة لأنه ليس من المخلوقات وليس من الملائكة وإنما هو كائن أو قوة فاعلة لا تنفصل عن ذات الله مثل سائر كائنات عالم الأمر، فهو مجسد فيه روح الله كما سنوضح لاحقاً.

وهؤلاء الملائكة الذين كانوا مع جبريل في ليلة نزول القرآن هم من قاموا بتغيير تركيبة السماء الدنيا ومجالها المغناطيسي وغلافها الجوي الذي كان قد حدثت به خروقات كثيرة من الشياطين قبل البعثة المحمدية بأعمال الطقوس الشيطانية وغيرها علي ما شرحت تفصيلياً بكتاب "البوابات النجميه" ومقالات سابقة، وقاموا بملء سماء الأرض بحرساً شديداً منهم وبراجمات الشهب ليقذفوا بها كل من يحاول استراق السمع من الجن والشياطين، فأزالوا أو عطلوا وأقفوا عمل قواعد التجسس وأجهزة التصنت التي كان يستخدمها الشياطين في استراق السمع من الملأ الأعلى من سماء الأرض وكواكب المجموعة الشمسية أو السماء الدنيا.

واغلقوا جميع أقطار وبوابات السماء التي كان ينفذ منها هؤلاء الشياطين، ومنعوا الكهانة والعرافة ومعرفة بعض أمور الغيب التي كان يعرفها الشياطين من استراق السمع ويبلغوها للكهنة والعرافين والمتنبأين والسحرة، وهذا الغلق قد يكون إلي الأبد أو أثناء فترة نزول الوحي والقرآن فقط خلال فترة الدعوة المحمدية.

فليلة القدر ترتبط بنزول الوحي وأحد الكتب السماوية علي أحد الرسل، وتنزل الملائكة لتقدير مقادير إلهية جديدة في السماء الدنيا والأرض، ومن ثم فهي لا تتكرر كل سنة كما يعتقد الناس ولا مجال لشرح ذلك الآن.

وقال تعالى عن ليلة نزول القرآن المباركة التي يفرق (أي يقسم) فيها كل أمر حكيم من الله علي أصحاب عالم الأمر، وينزل فيها كتاب مبين للناس كالقرآن يكون فيه رحمة من الله بهم من خلال الهدى والتبيان أو التوضيح للأمور التي التبست علي الناس وأضلهم فيها إبليس وحزب الشيطان من الإنس والشياطين:

حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) (الدخان).

وقال تعالى:

وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (85) وَلَئِن شِئنا لَنَذهَبَنَّ بِالَّذي أَوحَينا إِلَيكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَينا وَكيلًا ﴿٨٦﴾ إِلّا رَحمَةً مِن رَبِّكَ إِنَّ فَضلَهُ كانَ عَلَيكَ كَبيرًا ﴿٨٧﴾ (الإسراء)

ذهب بعض المفسرون إلي أن الروح الذي سال عنه الكافرون النبي هي الروح الموجودة بأجسادنا فقال الله أن الروح من أمر الله أي شأن من شأنه واختصاص من اختصاصه ولا يجوز الحديث عنها، وذهب آخرون إلي أن الروح المسئول عنه هو جبريل، واستدلوا في ذلك علي رواية تقول أن الكافرون سالوا محمد صلي الله عليه وسلم عن الروح الذي ينزل الوحي عليه فأجابهم بأن الروح من أمر الله، فعندما علموا أن المنزل للوحي عليه هو جبريل قالوا أنه عدو لنا فأنزل الله قوله تعالى:

قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (البقرة:97).

ومعني أن الروح أي جبريل من أمر الله أي أنه من أصحاب عالم الأمر الذين وجدوا أو نشأوا بأمر من الله بكن فيكون ويدبرون أمراً (قسم) من أوامر (أقسام) عالم الأمر.

وقال تعالى عن نزول الوحي علي غير الأنبياء:

رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (غافر:15)

يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (النحل:2)

في آية سورة غافر يخبرنا الله أنه يلقى بالروح (الوحى) من أمره (أي من صاحب أمر الوحى وهو جبريل) علي من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق، وهذه الآية يجوز حملها علي الوحي المنزل علي الرسل أو الأنبياء فقط وهم المنزل عليهم كتب سماوية، لأن إلقاء الروح تم فيها بصورة مباشرة من صاحب أمر الروح وهو جبريل، والرسل والأنبياء هم الموكلين بالإنذار بأحداث يوم التلاق (القيامة)

أما آية سورة النحل فذكر بها نزول الملائكة بالروح (الوحي) من أمره (من صاحب أمر الوحي وهو جبريل) علي من يشاء من عباده لينذروا الناس من عبادة آلهة غير الله، والعباد هنا هم غير الرسل لوجود الملائكة كوسيط تتنزل بالروح (الوحي) عليهم وليس جبريل بذاته، والروح هنا هو الهدى أو الإلهام أو الوحي أو البشري من الله بالجنة وسيكون هؤلاء الملائكة أولياؤهم في الحياة الدنيا والآخرة، وهؤلاء العباد هم المذكورون في قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32) (فصلت)

وقال تعالى:

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الشورى:52)

والروح هنا بمعني الكتاب أو الوحي الموحى به للرسول.

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿١٩١﴾ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٩٢﴾ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾ (الشعراء)

وهنا وصف الله جبريل الذي نزل بالوحي والقرآن علي محمد بالروح الأمين لأنه روح الله.

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل:102)

وهنا وصف الله جبريل بالروح القدس، وهو الروح القدس الذي أيد الله به عيسى بن مريم وكان ملازماً له طوال حياته، وهو الذي قام بتخليق عيسي في رحم مريم وظهر أو تجسد لها في صورة بشر سوياً (أي مكتمل الخلقة البشرية وفي أبهي صورة للبشر) قال تعالى:

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً (21) (مريم)

وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (الأنبياء:91)

وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (التحريم:12)

فآيات سورة مريم تشير إلي أن الله ارسل روحه (روح الله الذي هو جبريل أو الروح الأمين أو الروح القدس) فتمثل  وتجسد لها في صورة بشر سوي، وهنا نجد أن جبريل وصف بأنه روح الله الذي ينفخ بأمر وأذن من الله في جميع المخلوقات، فنفخ الروح في آدم تم عن طريق جبريل، والنفخ في رحم مريم لخلق عيسي تم عن طريق جبريل لذا قال الله أن مثل عيسي عنده كمثل آدم، فجبريل أو الروح القدس كان ملازماً له ولا يفارقه منذ ولادته وحتي رفعه للسماء.

قال تعالى:

.....وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (البقرة : 87 )

إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (آل عمران:59)

ولنستكمل الآن شرح أمثلة أخري من الآيات المتعلقة بأمر الروح (جبريل) أو الأمر الإلهي الذي يدبره الله بين السماء والأرض، قال تعالى:

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5) (السجدة)

ومعني يدبر الأمر هنا أي يرسل الأمر من السماء إلي الأرض ثم يعرج إليه هذا الأمر مرة أخرى في يوم مقداره ألف سنة من سنيننا الأرضية، وهذا اليوم هو يوم الفصل أو يوم القيامة الأولي علي ما شرحت بكتاب "قراءة عصرية جديدة لعلامات الساعة...."، والأمر الذي سيرسله الله ثم يعرج إليه مرة أخري هو جبريل بالقطع، والدليل علي ذلك قوله تعالى:

تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (المعارج:4)

فهنا ذكر المولي عز وجل عروج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة ولم يقل مما نعد، لأن هذه السنين خاصة بيوم الدين أو يوم القيامة الثانية علي ما شرحت بالكتاب سابق الذكر، وفي بداية هذا اليوم ستزول السماء والأرض وتتبدل الأرض بغير الأرض والسماوات بسماء جديدة وأرض جديدة ويجمع الشمس والقمر وتندثر الكواكب وتطمس النجوم......الخ، وستكون سنين هذه القيامة لها زمن وحساب مختلف عن زماننا الحالي وزمن القيامة الأولي والجنة والنار الأولي التي ستكون علي هذه الأرض بعد نزول الجنة من السماء وبروز الجحيم من باطن الأرض.

وبما أن الروح هو جبريل وهو أمر من أوامر الله في عالم الأمر، أذن الأمر المذكور أن الله يدبره (يرسله) من السماء إلي الأرض ثم يعرج إليه في يوم مقداره ألف سنة هو جبريل أيضاً.

ومما سبق نستنتج تلقائياً أن أمر الساعة والمدبر لها والقائم علي شئونها والموكل بأحداثها سيكون جبريل بإذن من الله وسيساعده في تنفيذ ذلك ملائكة معاونين له وقد يشترك معه أصحاب أمر آخرين من عالم الأمر أو ملائكة تابعين لهم، ويؤكد ذلك أيضا الآيات التالية:

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً (النبأ:38)

ففي يوم القيامة سيقوم الروح (جبريل) والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا بإذن من الله.

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (النحل:33) 

فأمر ربك في الآية السابقة هو جبريل الذي سيأتي ومعه حشد من الملائكة لتنفيذ أمر الساعة والقيامة.

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (النحل:77).

ومعني وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أي أن وقت وقوعها وتنفيذ أمرها سيتم بأمر من له السلطان في ذلك من أصحاب الأوامر الإلهية في لمح البصر بعد أن يعطيه الله الأذن بذلك، لأن وقت قيام الساعة من الأمور الغيبية التي لا يعلمها حتي أصحاب السلطان والأمر لأنها من غيب السماوات والأرض.

وقال تعالى:

إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (الأعراف:54)

ومعني أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره أي يدبر شئونها ويسيرها في فلكها ويحدد صفاتها وطبيعتها وخصائصها ووظائفها.......الخ صاحب أمر من أوامر عالم الأمر بتوجيه وتعليمات وإذن من الله، وهم المدبرون لشئون الفلك والمعاونين لهم من الملائكة، وكل أمور عالم الخلق والأمر في النهاية بيد الله لأنه المتحكم والمسيطر في عالم الخلق والأمر.

وقال تعالى:

اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (الرعد:2)

فالله رفع السماوات بغير عمد مرئية لنا، أي هناك قوة خفية غير مرئية تمسك السماء والكواكب والنجوم وتنظم حركاتها ومساراتها في أفلاكها ومداراتها، وهذه القوى هي المدبرات أمراً الذين يسيرون وينظمون الحركة في السماء، والقوة التي يمسكون بها هذه الفلاك والكواكب والنجوم هي ما نطلق عليه الجاذبية وقوة الطرد العكسي أو المركزية لكل جرم سماوي، وجميعهم يجرون لأجل مسمي لكل منهم والله يدبر الأمر بين كل هذه السماوات بنظام المدبرون أمراً وفق النواميس الكونية الإلهية، قال تعالى:

إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (فاطر : 41 )

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (65) (الحج)

وجبريل كما سبق وأن نوهنا هو المتحدث الإعلامي باسم الله في جميع الكتب السماوية، فأكثر آياتها مصاغة علي لسانه بما يأمره الله به، وهذا هو السر في وجود صيغ كثيرة بالقرآن تتحدث عن الله بصيغة الغائب وليس بصيغة المتكلم الحاضر لأن المتحدث فيها أما جبريل مثل "هو الله"، أو الله بذاته  مثل "أنا الله"، أو مجموعة من الأوامر الإلهية أو أصحاب الأسماء الحسني والملائكة مثل "إنا نحن"، وبالقرآن أيضاً صيغ مصاغة علي لسان النبي محمد أو الرسل المنزل عليهم الكتب السماوية.

وهذا موضوع يطول شرحه وسنؤجل الحديث عنه للمقال القادم.

وللمزيد من التفاصيل راجع الفصل السادس من كتابنا "قراءة عصرية لأحداث الساعة وأهوال القيامة بالقرآن والكتب السماوية"

وجميع كتبي يمكن تحميلها من الرابط التالي:

https://heshamkamal.blogspot.com/2023/05/normal-0-false-false-false-en-us-x-none.html

 

ليست هناك تعليقات: