الاثنين، 26 أغسطس 2024

كشف ألغاز الأشياء المقسم بها ببدايات سورة المرسلات

 كشف طلاسم وألغاز الأشياء المقسم بها ببدايات سورة  المرسلات

هشام كمال عبد الحميد

 

في هذا الجزء سنستكمل باقي السور المشابهة لسورة الصافات السابق شرحها، فنوضح لكم بعض أسرار الأشياء المقسم بها ببدايات سورتي المرسلات.

قال تعالى:

وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفاً (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً (5) عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (17) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (19).......... (المرسلات)

وباقي السورة تتحدث عن خلقنا من ماء مهين وجعل الأرض كفاتاً ثم مصير المكذبين والمتقين في يوم الفصل.

وسنلاحظ في المقسم بهم أو الموصوفون في بداية السورة دخول الفاء في بعض ما وقع به القسم والواو في البعض الآخر، وفي اللغة الفاء تقتضي الوصل والتعلق، والواو تقتضي الفصل والتغاير، ومن ثم فالعاصفات عصفاً متصلة ومتعلقة بالمرسلات عرفاً لوجود الفاء بالعاصفات، والناشرات نشراً مختلفة ومستقلة وغير متعلقة بالمرسلات لدخول حرف الواو علي الناشرات وليس حرف الفاء، والفارقات فرقاً متصلة ومتعلقة بالناشرات نشراً لدخول حرف الفاء علي كلاً منهما. أما الملقيات ذكراً عذراً أو نذراً فهي متصلة ومتعلقة بكل ما سبقها.

وسنجد بعد الأشياء الخمسة المذكورة ببداية السورة جاء ذكر تأكيد الخالق جل وعلا علي حتمية وقوع الوعد الذي وعدنا به وهو قيام الساعة وعذاب أو نعيم الآخرة، وذلك في يوم الفصل (يوم القيامة الأولي) عندما تطمس النجوم وتفرج السماء وتنسف الجبال، فيأتي الموعد الذي أقتت (أي أجلت) له الرسل، والرسل هنا ليسوا الأنبياء وإنما رسل العذاب وتحقيق وعيد الله يوم الفصل، أي الملائكة المعاونين لبعض أصحاب الأمر أو السلطان الذين سيحدثون أشياء بالسماء تطمس النجوم وتفرج السماء وتنسف الجبال.

وطمس النجوم يعني أيضاً انكدارها أي ذهابها واختفاؤها عن الأعين وعدم القدرة علي رؤيتها فهي لن تنفجر كما يفهم الكثيرون ولكنها ستكون موجودة لكن لن نستطيع رؤيتها، وستكور الشمس وذلك عندما تُفرج وتكشط السماء (أي سماء أرضنا فقط أو سماء مجموعتنا الشمسية أو مجرتنا، والمقصود في الغالب كشط وذهاب الغلاف الجوي للأرض ومن ثم لن نستطيع رؤية شيء بالسماء علي ما شرحت تفصيلياً بكتاب "قراءة عصرية جديدة لأشراط الساعة وأهوال القيامة"، ثم ستنشر لنا الصحف وتسعر الجحيم وتنزل جنة المأوى من السماء (منطقة الطور السماوي بمركز مجرتنا علي ما شرحت بالمقالات السابقة) وهذه الأحداث جاء ذكرها بألفاظ مختلفة تؤدي نفس المعني في الآيات التالية:

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14) (التكوير)

إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً (6) (الواقعة)

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ (18) (الحاقة)

وتأسيساً علي ما سبق يمكننا القول بأن المقسم بهم أو الموصوفون في بداية سورة المرسلات هم مجموعة من المجموعات المؤجل عملها ليوم الفصل، وهم بعضاً ممن سيسيرون الأحداث السابقة واللاحقة لهذا اليوم، وهم الرسل المؤقتين لميقات يوم معلوم أي المؤجل عملها ليوم الفصل والمذكورين ببداية هذه السورة.

ومن ثم فـ "المرسلات عُرفاً" هم الذين يرسلون لنا الآيات السماوية أو الأرضية المتتابعة (كالأعاصير والرياح الصرصر العاتية والخسوفات والزلازل والسيول.....الخ) لتكون إعذاراً أي لا عذر للناس بعدها وإنذاراً لهم.

فالعُرف بضم العين هو التتابع، وهي الأشياء التي يتبع بعضها بعضاً، والعَرف بفتح العين في اللغة الريح سواء أكانت طيبة أو خبيثة. وأَعراف الرِّياح والسحاب: أَوائلها وأَعاليها، واحدها عُرْفٌ. والأعراف في القرآن هي الحجب ومفردها عُرف أي حجاب، مصداقاً لقوله تعالى:

وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) (الأعراف)

وبالتالي فالمقصود بالمرسلات عُرفاً أيضاً من سيرسلون الريح أو الحجب من خزائن الريح فتكشط السماء وتكور الشمس وتجعل النجوم تنكدر فلا نستطيع رؤيتها.

أما "العاصفات عصفاً" فهم البائدات المهلكات، وهم بعض ملائكة العذاب الذين سيرسلون الرياح العاصفة عند قيام الساعة قبل يوم الفصل، فتعصف بالكفار وأكثر أهل الأرض الظالمين لأنفسهم، وبين صفوفهم أيضاً الطير الأبابيل الذين يحملون الحجارة من سجيل فيلقونها علي الكافرين فتجعلهم كعصف مأكول مثلما حدث مع أصحاب الفيل. والعصف هو القشرة ويطلق علي قشر الحبوب المأكولة.

وقد جاء وصف الريح بالعاصف ووصف من يقذف بالحجارة من سجيل من الطير الأبابيل بالعصف المأكول في قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (يونس:22)

وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5) (الفيل)

أما "الناشرات نشراً فالفارقات فرقاً" فهم الملائكة التابعين لبعض أصحاب الأمر أو السلطان الذين بأيديهم صحف أعمالنا فينشرونها لنا يوم الحساب فيفرقون بها بين الحق والباطل والكافر والمؤمن والفاسد والمصلح والصالح والطالح والطيب والخبيث، وهم أيضاً من سيقومون بإعادة بعثنا وتنشأتنا في النشأة الثانية بإذن من الله ونشرنا وإخراجنا من الأجداث بعالم البرزخ، لأن النشر معناه الإذاعة لشيء كنشر الصحف والكتب ومعناه أيضاً الأحياء والبعث من الموت مصداقاً لقوله تعالى:

وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) (التكوير)

بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً (المدّثر:52)

وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) (الإسراء)

وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (الزخرف:11)

إِنَّ هَؤُلَاء لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ (35) (الدخان)

ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ (22) (عبس)

أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ (الأنبياء:21)

و "الملقيات ذكراً" هم رؤساء المرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات، فهم من يلقون بالذكر إلي الأنبياء، ويلقون التذكرة إلي الناس أي يرسلون الآيات والنذر، وهم أصحاب الذكر أو التذكرة، وهم السفرة الكرام البررة الذين بأيدهم الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة وهم من سنفذ عملية البعث (النشر) بعد الإماتة في القبور، مصداقاً لقوله تعالى:

كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاء ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (13) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ (22) (عبس)

أما قوله: (عذرا أو نذرا) عذرا: اسم مصدر بمعنى الإعذار، ومعناه قطع العذر. ومنه المثل: من أعذر فقد أنذر، وذلك حتي لا يكون للناس معذرة عند ربهم يوم الحساب، ونذرا جمع نذير بمعنى الإنذار لهم.

وللمزيد من التفاصيل راجع الفصل السادس من كتابنا "قراءة عصرية لأحداث الساعة وأهوال القيامة بالقرآن والكتب السماوية"

وجميع كتبي يمكن تحميلها من الرابط التالي:

https://heshamkamal.blogspot.com/.../normal-0-false-false...