ملائكة الملأ الأعلى والعالين الموكلين من الله بعمليات الخلق والإحياء والإماتة والبعث والعذاب والحساب وتسجيل الأعمال
(الحلقة الأولي)
هشام كمال عبد الحميد
من المعلوم أن الله هو رب كل شيء أي رب العالمين، مصداقاً لقوله تعالى:
قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ (164) (الأنعام)
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الفاتحة: 2)
فلماذا أكد الله لنا في كتابه الكريم أنه رب العالمين؟؟؟؟ هل هناك أرباب لنا أو لغيرنا غير الله؟؟؟؟
نعم فهناك فرق بين الإله والرب، ونحن لنا أرباب غير الله لكن لنا إله واحد هو الله، مصداقاً لقوله تعالى علي لسان يوسف:
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) (يوسف)
فكلمة رب في القرآن أطلقت علي كل من يتولى أمرنا في شيء معين أو يكون له أمر الحكم والتصرف في مقاديرنا وأرزاقنا، مثل أباءنا المتولين أمرنا وتربيتنا ورعايتنا والملوك المتولين أمرنا والحكم فينا مصداقاً لقوله تعالي علي لسان يوسف:
وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) (يوسف)
فيوسف هنا وصف الملك المتولي أمر وشأن ساقي الملك الذي كان مسجونا معه وسينجو من سجنه بلفظ ربه، أي ولي أمره والمتحكم في مصيره.
ملائكة الملأ الأعلى والعالين ودورهم في عمليات الخلق والإماتة والبعث والحساب والعذاب وتسيير أحداث القيامتين
هناك ملائكة الملأ الأعلى وملائكة اقل منهم درجة وهناك ملائكة الأرض المنفذين لأوامر ملائكة الملأ الأعلى، وهناك العالين أو المدبرون أمراً وهم رؤساء جميع الملاكة (وهم أصحاب السلطان أو الأوامر الإلهية أو أصحاب الأسماء الحسني وسنتكلم عنهم بالتفصيل لاحقاً) وهؤلاء وكلوا من الله بتملك أمر ما في الأرض أو السماء أو الكون، وكان القدماء يعتبرون الملائكة أرباب لهم، فرب الشيء هو المتحكم في أمره والمتصرف في شئونه وهذه وظيفة الملائكة ورؤسائهم. فالملائكة ليسوا مخلوقين من نور حسب ما هو مشاع عند الناس فلم يرد بالقرآن أي شيء عن طبيعة خلق الملائكة، لأن الملائكة مخلوقة من نفس المادة أو الشيء المتملكة أمره، فملائكة النار مخلوقين من النار، وملائكة الريح مخلوقين من الريح، وملائكة الماء مخلوقين من الماء، وملائكة الجبال وتربة الأرض والصخر مخلوقين من التراب أو الرماد، وملائكة الهواء أو الأثير أو الطاقة مخلوقين من الطاقة أو نفس المادة وهكذا.
والعالين لا يسجدون لأحد أو يأتمرون بأمر أحد سوي الله، لذا عندما رفض إبليس السجود لآدم (الدخول تحت رئاسته كخليفة بالأرض والائتمار بأوامره) استنكر الله فعله وقال له "استكبرت أم كنت من العالين"، قال تعالى:
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (ص: 75)
فهؤلاء العالين وأصحاب الملأ الأعلى خلقهم الله وجعل مقادير التصرف في جميع مخلوقاته بأيديهم حسب ما يأذن لهم به من أمور، فعمليات الخلق بالأرض تتم عن طريقهم وبالأخص من يعرف بالروح أو الروح القدس أو الروح الأمين الذي قيل أنه جبريل، فهو روح الله الموكل إليه نفخ الروح في جميع المخلوقات، فعندما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه من قام بالنفخ هو الملاك الروح، وعندما خلق الله عيسي ارسل لمريم هذا الملاك فتمثل لها بشراً سوياً وتولي عملية نفخ الروح فيها، ويعتبر جبريل رئيس من رؤساء العالين، وسنفصل هذا الموضوع في موضع آخر.
ومن رؤساء أصحاب الملأ الأعلى أيضاً ميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وغيرهم ممن لم نعرف أسمائهم، وقد سموا بأسماء مختلفة في الحضارات السابقة، وجميعهم رؤساء لمجموعات من الملائكة تعمل تحت أمرتهم، ويختصون بتسيير كل أمور وشئون الخلق والسماء والأرض وعالم الشهادة والغيب، لذا كان الشياطين قبل نزول القرآن يحاولون الصعود لحدود الملأ الأعلى للتجسس علي هؤلاء الملائكة ومعرفة أخبار الغيب والمقادير المقدرة من الله للعباد مما يتناقل بين رؤسائهم بمركز المجرة أو كوننا وبين مرؤوسيهم بالأرض من أخبار، وقد يكون عمليات التجسس هذه كانت تتم بأجهزة سمع وتنصت إلكترونية تم تركيبها في الكواكب أو الفضاء بالقرب من حدود الملأ الأعلى أو بوسائل وأدوات أخري لا نعلم عنها شيئاً، وعند نزول القرآن حصن الله السماء بحراسات شديدة من الملائكة وشهب تتعقب كالصاروخ الموجه وتحرق كل من يحاول استراق السمع من الجن أو الشياطين من الملأ الأعلى وينقل أخبار الغيب للكهنة والسحرة الذين كانوا يستعينون بهم في معرفة هذه الأخبار، وقد أخبرنا الله بهذه الحقائق في قوله تعالى:
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً (9) (الجن)
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) (الصافات)
وهؤلاء الملائكة العالين أصحاب الملأ الأعلى بأيديهم الكتب المرقومة (الكتب المرقمة أي الديجيتال) للفجار الذين سيكونون في سجين وللأبرار الذين سيكونون في عليين، قال تعالى:
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11)................ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) (المطففين)
وبعضاً من ملائكة الملأ الأعلى المساعدين هم الذين اختصموا عند خلق الله لآدم وطلبه منهم السجود له فقالوا لله "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" لكنهم في النهاية وبعد تعليم الله لأدم الأسماء كلها (أسمائه وصفاته الحسني وتجلياته التي يتجلى بها من خلال هذه الأسماء التي لم يعلموا شيئاً عن كنهها وطرق الله في التجلى عليها) سجدوا لآدم، قال تعالى:
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) (ص)
ومن مهام ووظائف ملائكة الملأ الأعلى تدبير وتسيير أحداث الساعة وأيام القيامتين (قيامة يوم الفصل ويوم الدين) فهؤلاء الملائكة عددهم عشرين مجموعة وهم الموصوفين في القرآن بالأوصاف الأتية:
الصافات صفاً والزاجرات زجراً والتاليات ذكراً والمرسلات عرفاً والعاصفات عصفاً والناشرات نشراً والفارقات فرقاً والملقيات ذكراً والعاديات ضبحا والموريات قدحاً والمغيرات صبحاً والذاريات ذرواً والحاملات وقراً والجاريات يسراً والمقسمات أمراً والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحا والسابقات سبقاً والمدبرات أمراً.
فقد جاء بأوائل سورة الصافات ذكر الملأ الأعلى وتجسس الشياطين عليهم لمحاولة استراق أخبار الغيب منهم، ثم تلي ذلك الحديث عن الزجرة الواحدة عن قيام الساعة وحشر الظالمين لجهنم، وجاء بالآية 165 و 166 ما يدل علي أن الصافات صفاً والزاجرات زجراً والتاليات ذكراً ملائكة، حيث تحدثوا عن أنفسهم في هذه الآية ذاكرين أنهم هم الصافون وهم المسبحون، وفي هذا دلالة علي أنهم ملائكة، فالصافات هم الصافون الذين سيأتون صفاً صفاً يوم القيامة، والزاجرات هم الذين سيحدثون الزجرة الواحدة والتاليات ذكراً هم المسبحون، قال تعالى:
وَالصَّافَّاتِ صَفّاً (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً (3)........ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24)................ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبّحُِونَ (166) (الصافات)
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ
الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) (الفجر)
ودائماً ما كان يرد بالقرآن عقب ذكر هؤلاء الملائكة حديث عن الساعة وأيام القيامتين والبعث من القبور، مما يدل علي أن هؤلاء الملائكة هم المسيرون لأحداث الساعة وأهوال أيام القيامتين من الصيحة والنفخ في الصور، وطمس وانكدار النجوم واندثار الكواكب وتكوير الشمس وكشط وطي السماء كطي السجل للكتب، وتسيير ونسف الجبال ورج وزلزلة الأرض بالزلزال العظيم وإثارة الرعود والبروق والخسوفات الأرضية والرياح الصرصر العاتية، وإلقاء الشهب والمذنبات علي الأرض وتسيير الدخان الآتي من السماء، وهم المتولين لعمليات البعث والحشر والحساب والعذاب والمجيئ بجهنم وتسعيرها ونشر الكتب.........الخ، وسنلاحظ ذلك من الآيات التالية، قال تعالى:
وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفاً (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً (5) عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (17) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (15) (المرسلات)
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)....... (الذاريات)
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ (14) ........ فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى (36) فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) (النازعات)
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5) إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11) (العاديات)
ولا شك أن العشرين مجموعة من الملائكة السابقين يدخل فيهم الملاك الروح (جبريل) ومعاونيه لأن الملاك الروح ومساعديه سيكون لهم دور كبير في عملية البعث، لكن المشركين كانوا دائماً علي عداوة وكراهية لجبريل وميكائيل كما أخبرنا المولي عز وجل في قوله تعالى:
قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ (98) (البقرة)
لذا فإن المشركون في الغالب كانوا يستبعدون جبريل ومجموعته من مجموعات الملائكة العالين المقربين ويقصروا هذه المجموعات علي 19 مجموعة، وهم في الغالب المذكورين في سورة المدثر بأصحاب النار وعدتهم تسعة عشر (ملائكة العذاب والهلاك والدمار)، قال تعالى:
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا.........(31) (المدثر)
ويجب ألا ننسي من بين هؤلاء الملائكة العالين الملاك القلم (تحوت عند الفراعنة ونون في القرآن) الذي يسجل كل الأحداث والمقادير والكلام والأوامر الصادرة من الله علي اللوح المحفوظ، وهذا الملاك هو المذكور في قوله تعالى:
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) (القلم)
ونون هو المداد الذي يكتب به هذا الملاك، وهو مداد من نور في الغالب لذا رمز له بـ (ن) لأن قلمه نور ومداده نور ولوحه المحفوظ من نور أي من الألياف الضوئية فيما يشبه الأجهزة الإلكترونية كاللاب توب والكمبيوتر والمحمول مع الفرق بين صنع الله وصنع البشر..........الخ.
وقد صور الفراعنة تحوت في نقوشهم وبكتاب الموتى (كتاب عالم الآخرة ويوم الحساب) وهو يسجل علي اللوح المحفوظ بقلمه، وأيضاً وهو يسجل أعمال الناس عند حسابهم في حضرة أوزيريس (أوزيريس اسم استخدمه الفراعنة للدلالة علي أحد الأرباب الذي يحكم عالم الموتى والآخرة والحساب وقد يكون مقصود به أحد الملائكة العظام كجبريل أو أحد تجليات الله بأسمائه الحسني كاسمه الحسيب أي المحاسب للناس أو أسمه الرقيب....الخ، ثم أطلق هذا الاسم بعد ذلك علي أشخاص كثر منهم أوزيريس بن جب وهو هابيل بن آدم) بعد أن يتم وزن عمل كل شخص بمعرفة الملائكة الموكلين بالميزان والحساب لمقارنتها بالمسجل عنده في اللوح المحفوظ (فحسابنا لن يتم أمام الله ولكن أمام هؤلاء القضاة من أصحاب الأوامر الإلهية ثم يقومون بعرض نتيجة حسابنا علي الله لاعتماد النتيجة النهائية منه والنظر في أمر المرجأ أمرهم – الموضوعين بمنطقة الأعراف بعد الحساب - ممن حصلوا علي نتيجة اقل من 50% في حسابهم فيعفو عمن يشاء منهم أو يعذبه حسبما يتراءى له).
ويظهر بهذه الصور فوق الميزان طائر، وهو الطائر الموجود بعنق كل إنسان (أعلي رأسه لأن الراس هي عنق الإنسان مثل فتحة الزجاجة الموجودة بأعلاها فهي عنق الزجاجة) والذي يحمل أو مسجل عليه كتاب أعمالنا وهو كتاب ديجيتال أو مرقم أو مرقوم مسجل فيه كل أعمالنا أثناء الحياة بالصوت والصورة وبما نضمره في نفوسنا وما يدور بخلدنا (شريط فيديو كاشف لكل سرارنا)، وسيخرجه الله لنا يوم القيامة، وهذا مصداقاً لقوله تعالى:
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلزَمناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ وَنُخرِجُ لَهُ يَومَ القِيامَةِ كِتابًا يَلقاهُ مَنشورًا ﴿١٣﴾ اقرَأ كِتابَكَ كَفى بِنَفسِكَ اليَومَ عَلَيكَ حَسيبًا ﴿١٤﴾ (الإسراء)
ويتم وزن عمل الشخص بوضع قلبه أو عمله في أحدي كفتي الميزان وفي الكفة الأخرى ريشة ماعت التي ترمز عند الفراعنة للحق والعدل (وهذه الموازين هي الموازين القسط التي ذكر الله أنه سيضعها يوم القيامة لحساب الناس) وبعد ذلك يظهر في نقوش كتاب الموتى المشاهد التي يساق فيها الشخص المتوفي إلي الجنة أو النار.
ومرفق بعض الصور المتعلقة بتحوت أو الملاك القلم ومشهد وزن أعمال الشخص في حضرة أوزيريس:
تحوت أو الملاك القلم وهو يسجل كل شيء علي اللوح المحفوظ
مشهد وزن الملائكة لأعمال الشخص في حضرة أوزيريس الجالس علي الكرسي ويظهر بالمشهد تحوت أمام الميزان وهو يسجل نتيجة أعمال الشخص الذي يتم حسابه والملائكة تسوقه من مشهد لآخر
مشهد آخر لوزن أعمال الشخص ويظهر أعلي الميزان من الجهة اليسرى صورة الطائر الذي يمثل كتابه الذي كان في عنقه والمسجل عليه أعماله أثناء حياته بالصوت والصورة
وهناك احتمال أن يكون حملة العرش الثمانية داخلين في هذه المجموعات العشرين السابق ذكرها لأنهم مرتبطين بأحداث الساعة وسيأتون مع ربك يحملون عرشه وهم غالباً من الملائكة الصافات لأن الله ذكر مجيئ ربك والملائكة صفاً (أي الملائكة الصافون) قال تعالى:
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) (الفجر)
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) (الحاقة)
وهنا يجب ان نلفت الانتباه إلي أن من سيجيئ محمولاً علي العرش الذي يحمله الثمانية ليس الله بل أحد أربابنا أو أحد قضاتنا من أصحاب الأوامر الإلهية أو العالين، لذا قال "وجاء ربك" ولم يقل "وجاء الله"، فالله لا يتحرك من عرشه العظيم الموجود فوق كل العروش المنتشرة بكل الأكوان، وكل كون أو مجرة به عرش وأحد العالين المسئول عن هذا العرش والمدبر لشئونه بإذن وتفويض من الله، فلو قلنا أن الله سيجيئ محمولاً علي عرش فقد جعلناه متجسداً في شكل ما وتراه الأعين، وهذا محال فالله لا يري الا من وراء حجب من نور ونار حجب بها ذاته عن كل الكون وكل المخلوقات والملائكة العظام وأصحاب الأسماء الحسني، لأنه لو رفع هذه الحجب أو بعضها فسيصعق ويحرق ويتلاشى من الوجود ويدك دكاً كل من يتعرض لناره ونوره (موجات وأشعة حارقة مدمرة وكهرباء صاعقة ونور وطاقة كهرومغناطيسية.....الخ مما لا نعلمه)، مثلما حدث مع موسي وبني إسرائيل الذين صعقوا وهم ينظرون للنار والنور الإلهية بعد أن تجلي الله علي الجبل برفع حجاب أو حجابين فقط من حجبه وتجليه عليه ثم يعثهم الله من بعد موته، وذلك مصداقاً لقوله تعالي:
وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (الأعراف : 143 )
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) (البقرة)
أيضا هؤلاء الملائكة كانوا حاضرين في مشهد تجلي الله لموسي عندما ناداه من وراء حجاب من النور الناري الإلهي، ويتضح ذلك من قول الله لموسى انه بورك من في النار (أي الله) ومن حولها (وهم الملائكة الذين كانوا حاضرين معه)، قال تعالي:
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) (النمل)
وللمزيد من التفاصيل عن هذه الكائنات راجع الفصل السادس من كتابنا "قراءة عصرية لأحداث الساعة وأهوال القيامة بالقرآن والكتب السماوية"
وجميع كتبي يمكن تحميلها من الرابط التالي:
https://heshamkamal.blogspot.com/2023/05/normal-0-false-false-false-en-us-x-none.html