عبادة القدماء لملائكة الملأ الأعلى والعالين أو أصحاب السلطان أو المدبرون أمراً (الحلقة الثانية)
هشام كمال عبد الحميد
في الحلقة الأولي من هذه السلسلة شرحنا معني كلمة رب في القرآن وأنها لا يقصد بها الإله الواحد الأحد في جميع آيات القرآن، فكلمة رب تطلق علي كل من يتولى أمر شيء في الكون أو في الدنيا أو يتملك التصرف فيه كرب العمل والملوك......الخ والله هو رب جميع الأرباب ورب العالمين.
وأطلق القدماء علي ملائكة الملأ الأعلى (الملائكة العالين) الموكل إليهم من الله التصرف في أمور الخلق والإماتة والبعث والحساب وتسيير أحداث الساعة أسم الملائكة الأرباب، وشرحنا من خلال القرآن وظائف بعض هؤلاء الملائكة وأسماء مجموعاتهم التي ذكرها القرآن، ثم عرجنا علي تعريف المقصود بأصحاب السلطان أو المدبرون أمراً أو الكائنات التي تجلي الله عليها بأسمائه الحسني واسماء القهر والجبروت
وسنستأنف في هذه الحلقة الحديث عن شرك الأمم السابقة بهؤلاء الملائكة واتخاذهم أرباباً من دون الله، وإلحادهم في أسماء الله الحسني.
سلطان الله في الأسماء الحسني لله التي يتجلي فيها وأسماء معبودات المشركين التي لم ينزل بها سلطان من الله
قال تعالى:
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40) (يوسف)
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (65)........... قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71) (الأعراف)
والسؤال
الآن:
· لماذا قال الله إن أسماء ما كان يعبدهم الكافرون والمشركون ليست سوي أسماء هم الذين سموها ولم ينزل الله بها من سلطان؟؟؟؟
· هل هناك أسماء أنزلها الله ولها سلطان وهل أمرهم الله بعبادتها؟؟؟؟
نعم هناك أسماء أنزلها الله ولها سلطان مثل سلطان الله (أي قدرة وقوة جبرية قهرية وحجج قوية علي الناس وسائر المخلوقات)، وذلك مصداقاً لقوله تعالى:
وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (الروم : 35 )
فالآية السابقة توضح أن الله لم ينزل علي المشركين سلطان يتكلم بما كاوا به يشركون، ومعني ذلك أن هذا السلطان هو كائن يتكلم وله قوة وسلطان جبار، وهو بالقطع من أصحاب السلطان بعالم الأمر والغيب والشهادة، وهم كما أوضحنا بالمقال السابق الكائنات التي تمثل تجليات الله في اسمائه سواء الحسني أو اسماء القهر والجبروت بعالم الأمر، والذين يتم خلقهم من الذات الإلهية بأمر الله كن فيكون في التو واللحظة.
فالله لم يأمر المشركين بعبادة هذه الأسماء، ولكن بعبادة الله وحده صاحب هذه الأسماء والصفات، فكان المشركون يلحدون في هذه الأسماء، أي يكفرون بها ويسقطون صفاتها علي غير الله من الملائكة أو الجن أو الأنبياء أو غيرهم ممن يقدسونهم من الإنس، أو يعتبرونهم آلهة مستقلة عن الله ومشاركة معه في الملك والحكم بالكون فيعبدونهم من دونه أو يشركون بهم معه جل وعلا، قال تعالى:
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى (طه: 8)
وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (الأعراف : 180 )
وأسماء الآلهة التي عبدها الفراعنة والسومريين والبابليين وغيرهم والتي وصلت للمئات كان من ضمنها أسماء الملائكة العالين وأسماء الله الحسني وأسماء أنبياء وجن وشياطين وكواكب ونجوم.....الخ. وقد صورهم بصور تعكس صفاتهم ووظائفهم حسب معتقداتهم في كلا منهم.
ومرفق صور بعض أشهر المعبودات عند الفراعنة واليونانيين:
الأمانة التي حملها آدم وأسرار الأسماء الحسنى التي علمها الله له ثم عرضهم علي الملائكة فلم يعرفوهم
الأسماء الحسنى وأسماء القهر والجبروت التي يتجلى الله فيها هي الأسماء التي علمها الله لآدم بعد قبوله حمل أمانتهم (صفاتهم وقواهم) بداخل جسمه، وبقبوله حمل هذه الأمانة جعله الله خليفة له بالأرض (الأرض جميعاً وهي أرضنا وأراضي كواكب مجموعتنا الشمسية كما شرحت بكتاب "قراءة عصرية لأحداث الساعة وأهوال القيامة"، أما الملائكة والجن والجبلة الأولين (الجبال) ممن سكنوا الأرض قبلنا وسائر مخلوقات سمائنا الدنيا أو مجموعتنا الشمسية فقد رفضت حمل هذه الأمانة.
وبعد قبول آدم لحمل أمانتهم علمه الله كيفية الاستفادة من هذه الأسماء وصفاتها في تسخير الكثير من أمور معيشته وأمور مجموعتنا الشمسية، ثم عرضهم الله بشخوصهم أو عرض صورهم علي ملائكة الملأ الأعلى لمجموعتنا الذين تحفظوا علي خلق آدم وجعله خليفة في الأرض وكانوا يريدون أن يختارهم الله لهذه الخلافة، فلم يتمكنوا من التعرف عليها أو تحديد مسمياتها ووظائفها أو معرفة مضارها ومنافعها لأنهم رفضوا حمل أمانتهم.
وقد اشرك الناس بهذه الأسماء واعتبروها آلهة مستقلة شريكة مع الله في الملك والحكم وكانوا يتعجبون ويستنكرون مقولة أي نبي بجعل جميع هذه الآلهة إله واحد هو الله العزيز الحكيم، لذا أمرنا الله أن نذر الذين يلحدون في أسمائه، أي نبتعد عنهم ولا نسير علي نهجهم في الشرك بهذه الأسماء، قال تعالى:
وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (الأعراف: 180)
وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) (ص)
اتخاذ المشركون الملائكة العالين والأنبياء والأحبار أرباباً آلهة من دون الله
اتخذ كثير من شعوب الحضارات القديمة بإغواء من الشيطان وشياطين الجن من الملائكة العالين أو أصحاب السلطان (حاملي صفات الأسماء الإلهية أو المدبرون أمراً) أرباباً وآلهة من دون الله أو أشركوا بهم مع الله، وعبدوهم وصنعوا لهم التماثيل والأصنام، ومع تطور الزمن اتخذوا بجانبهم من الأنبياء ورجال الدين (الأحبار) والمسيح ابن مريم وعزير وغيرهم أرباباً آلهة من دون الله، قال تعالى:
وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (آل عمران: 80)
اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (التوبة: 31)
مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40) (يوسف)
كما كان الناس يقدسون بعضاً من قادتهم وزعمائهم ورجال دينهم ويتخذونهم أرباباً يسيرون علي نهجهم وشرائعهم التي كانت في كثير من الأحيان مخالفة لشرع الله، قال تعالي:
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران: 64)
المشركون زعموا أنهم عبدوا الملائكة العالين وأصحاب الأسماء الإلهية تقرباً إلي الله ولجلب منافعهم ودرء أضرارهم
زين الشيطان ومساعديه من الشياطين للكافرين والمشركين من الإنس والجن عبادة الملائكة العالين وأصحاب السلطان خاصة من هم من جنسهم الناري والمسئولين منهم عن جهنم أو عن العذاب والخراب والدمار والهلاك كملائكة أو خزنة النار الـ 19 وصوروهم لهم علي أن منهم الذكور والإناث ومنهم المخنثين، وأن منهم من أتخذه الله ولداً أو زوجة أو ابنة، وأن هؤلاء الآلهة لهم قدرات تعادل قدرات الله جل وعلا ، وأنهم يشتركون معه في الملك والحكم، ناهيك عن حثهم علي عبادته ككبير لجميع هؤلاء الآلهة المزعومة التي سموها بأسماء ووصفوهم بصفات ألوهية ما أنزل الله بها من سلطان، كما خدعهم بأن التقرب لهؤلاء الآلهة فيه نوع من التقرب لله.
زعم المشركين في الماضي أنهم عبدوا هؤلاء الملائكة أو أصحاب السلطان (المدبرون أمراً) الذين صنعوا لهم التماثيل والأصنام وكانوا يتقربون إليهم بالقرابين البشرية والحيوانية تقرباً لله واتقاء لشرهم ومضارهم ولجلب منافعهم وخيراتهم، لأن كل ما يقع بهم من ضر أو نفع يكون من فعل هؤلاء الملائكة والمدبرون أمراً، بعد أن صور لهم الشيطان أن الوسيلة الوحيدة للتقرب إلي الله لا تكون إلا بالتقرب لهؤلاء الملائكة أو المقربين من الله واتخاذهم أولياء لهم من دون الله أو أولياء لهم مع الله، وأن عبادتهم لهم تقيهم أضرارهم وتجلب منافعهم، وأوحي إليهم أن هؤلاء الملائكة والمدبرون أمراً هم شركاء مع الله في خلقنا وإدارة الكون وأنهم آلهة مثلهم مثل الله جل وعلا. قال تعالى:
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (الزمر: 3)
وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً (الفرقان: 3)
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (الرعد: 16)
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (المائدة: 76)
وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً (مريم: 81)
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (يوسف: 106)
الكافرون والمشركون لم يعبدوا الملائكة الأرباب أو تجليات الله في أسمائه الحسنى بل كانوا يعبدون الجن
هل حقاً كان الكافرون والمشركون يعبدون الملائكة الأرباب أو أسماء الله الحسنى (المدبرون أمراً)؟؟؟؟؟
كان الكافرون والمشركون يصرحون أن عبادتهم للآلهة المتعددة التي لم ينزل الله بها من سلطان لم تكن سوي عبادة لأسماء الله وملائكته الأرباب وأنهم لم يعتقدوا يوماً أنهم مشركين كما سيصرحون بذلك لله يوم القيامة، قال تعالى:
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (24) (الأنعام)
فهؤلاء المشركين في الحقيقة لم يكونوا يعبدون سوي الجن، حيث أن الجن كانوا يتشكلون لهم ويظهرون بمعابدهم وهياكلهم وصور اصنامهم في صور شتى ويتكلمون معهم من خلال هذه الأصنام ويزعمون لهم أنهم آلهتهم الخالقون والمدبرون لكل شئون حياتهم.
وقد أوضح لنا المولي عز وجل حقيقة هذا الأمر علي لسان الملائكة في الآخرة الذين كان هؤلاء المشركون يزعمون أنهم يعبدونهم تقرباً لله، ويتضح ذلك من قوله تعالى:
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ (41) (سبأ)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً (18) (الفرقان)
المشركون جعلوا الملائكة إناثاً (مخنثين) مثل الشياطين الممسوخين إناثاً
كان المشركون يزعمون أن الملائكة إناثا (مخنثين في الغالب لأن كلمة إناث تستخدم في اللغة للدلالة علي الأنثى وعلي المخنثين أيضاً علي ما شرحت بمقال سابق) وذلك لأن الشياطين من الجن كانوا يتمثلون لهم في صور هؤلاء الملائكة وسبق وأن شرحت أن الشياطين حلت عليهم لعنة الله وهذه اللعنة مسختهم لكائنات مسخ ومخنثة بما فيهم إبليس، وكان علي راس هؤلاء المعبودات اللات والعزي ومناة، فهذه أسماء آلهة ومعبودات عبدوها وما أنزل الله بها من سلطان فهي أسماء هم وآبائهم الذين سموا هذه المعبودات بها، قال تعالى:
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (الزخرف: 19)
إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً (117) لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً (118) (النساء)
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى (23) (النجم)
تبرأ الشيطان والشركاء من المشركين يوم القيامة
سيتبرأ يوم القيامة الشيطان من المشركين كما سيتبرأ منهم أيضاً الذين أشرك بهم المشركين سواء أكانوا من الجن أو الإنس أو الشياطين أو آلهة يأجوج ومأجوج مصداقاً لقوله تعالى:
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (إبراهيم: 22)
وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (النحل: 86)
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)) (الصافات)
وللمزيد من التفاصيل عن هذه الكائنات راجع الفصل السادس من كتابنا "قراءة عصرية لأحداث الساعة وأهوال القيامة بالقرآن والكتب السماوية"
وجميع كتبي يمكن تحميلها من الرابط التالي:
https://heshamkamal.blogspot.com/2023/05/normal-0-false-false-false-en-us-x-none.html